الحياة مدرسة ...بقلم: د. هاشم غرايبه - موقع الحوش نيوز

موقع الحوش نيوز

موقع الحوش نيوز

اخر الأخبار

اعلان

ضع إعلانك هنا

اعلان

إعلانك هنا

Sunday, July 9, 2023

الحياة مدرسة ...بقلم: د. هاشم غرايبه

 

 الحياة مدرسة ...بقلم: د. هاشم غرايبه

انكسر القابس الكهربائي (الفيش) لأحد الأجهزة في عيادة صديق، وطلب مني أن أدله على فنّي متخصص في الكهرباء ليصلحه على أن يكون صادقا في مواعيده، لأن الذي يعرفه يماطله منذ يومين، قلت له: يا رجل وهل تستحق المسألة فنيا؟ إشتري قابسا جديدا وأوصله، قال المشكلة أنني لا أعرف في الكهرباء وأخشى أن أخطيء في التوصيل فأتلف جهازا بعشرات الآلاف من الدنانير.

وجدت الأمر غير منطقي، فطبيب يدخل منظاره في غياهب الجسم ويستخرج به حصاة أمر يحتاج الى دقة متناهية ومهارة وتمكّن، فهل يعقل أن من يتقن ذلك لا يمكنه التمييز بين السلك الموجب والسالب؟.

رغم ذلك تجد هذه الظاهرة منتشرة كثيرا، وقليلا ما تجد الشخص الذي تتجاوز اهتماماته مجال تخصصه، فتجده

متعدد المهارات، ولديه إلمام بالحد الأدنى في كل شيء، ويدفعه الفضول المعرفي الى تعلم أمور كثيرة في كل المهن.

صحيح أنه لا يتقنها كما الفنّي المتخصص بها، لكنه على الأقل يعرف أسس عمل الأجهزة والأدوات، فلو تعطلت يمكنه معرفة الخلل أو العيب أو سبب العطل، فإن كان بسيطا أصلحه وإلا فهو قد يختصر على المصلّح وقت وجهد التشخيص.

العلم معرفة متخصصة بموضوع محدد، لكنه يوجه العقل باتجاه واحد، فتتركز كل اهتمامه فيه، بينما الثقافة معرفة متنوعة، ورغم تعدد أبوابها وتنوع مجالاتها، إلا أن العقل البشري رحب لا يضيق عنها، ولا تنتقص من القدرات التخصصية.

في ظل تفرع التخصصات وتشعبها، قد لا يحتاج الى حذق كل المهارات والإلمام بكل المعارف، لكن معرفة الأساسيات من كل شيء لن تتعب العقل ولا تثقل الذاكرة، فالعقل له آليات باهرة في التعامل مع كم هائل من العمليات الذهنية البالغة التعقيد، يمكنه من خلالها تحليل كل البيانات المدخلة، وتفكيكها، وإعادة ترتيبها في مصفوفات خاصة بكل شخص، ووفق نسق خاص به، بحيث يستطيع استعمالها وتوظيفها لاحقا في عمليات ذهنية أخرى يحتاجها.

هذه الخاصية متوفرة لدى الجميع لكن باختلافات بيّنة، فتجد الأفراد على درجات متعددة ما بين البلادة وتوقد الذهن، ذلك ما يدعوه الناس بمستوى الذكاء.

لذلك فمن الطبيعي أن يكون هنالك تباين في الإستيعاب بين شخص وآخر، أي المقدرة على إجراء تلك العمليات الذهنية المتعددة الطبقات وبسرعة، فالغالبية لا تتمكن من التعامل مع أكثر من عملية واحدة في آن واحد، ومن فرط اعتيادهم على ذلك والميل الى إراحة العقل من العمليات المركبة، يتجه الى الدعة والسكون وبالتالي الميل الى البلادة المريحة.

للتغلب على هذا التحدي يجب تمرين العقل على النشاط على الدوام، فهذا ما يشبه المحافظة على اللياقة البدنية للجسد بدوام التمرين، وكذلك فإدامة التعامل مع العمليات العقلية تنشيط للعقل ورفع لكفاءته، وليس إنهاكا له كما يعتقد البعض، ودوام التزود بالمعلومات يرفع من جاهزيته ويزيد من قدراته، وهذا يحققه الإستزادة الثقافية ومتابعة كل جديد.

لا شيء يعدل المطالعة في تنمية مدارك الإنسان وتوسيع ثقافته، ولا تتوسع آفاق تفكيره بغير الثقافة.

كان الكتاب والمجلة والصحيفة الرفيق الدائم للشخص في خلواته وجلواته، انحسر ذلك الآن بشكل يدعو للقلق، البعض يضعون اللوم على (الإنترنت) ووسائل التواصل الإجتماعي التي حققتها هذه القفزة التقنية الهائلة، لكن الحقيقة أن الإنحسار قائم منذ أمد بعيد، فتستطيع أن تميز من تراه يحمل كتابا يقرأ منه كلما سنحت له الفرصة، سواء كان ذلك في الأماكن العامة في الحدائق والمتنزهات أو على الشاطئ، أو حتى في صالات الإنتظار وخلال ركوبه المواصلات العامة...فمن تراه كذلك فهو غير عربي قطعاً!.

رغم أن القلق يتزايد من العزوف عن المطالعة، سواء كانت من المصادر الورقية أو الإليكترونية، فإن هنالك بالمقابل فرص للتثقيف الذاتي أصبحت متاحة مجانا عبر الكتب المنشورة عبر تطبيقات (PDF )، مما يجعلها في متناول الجميع وبلا كلفة.

المطالعة باب للمعرفة لا يخيب رجاء طارقه، بل يرفع قدر طالبه.



اعلان

إعلانك هنا