البيشيق ..بقلم: عبدالمجيد نورالدين إبنعوف - موقع الحوش نيوز

موقع الحوش نيوز

موقع الحوش نيوز

اخر الأخبار

اعلان

ضع إعلانك هنا

اعلان

إعلانك هنا

Saturday, July 22, 2023

البيشيق ..بقلم: عبدالمجيد نورالدين إبنعوف

 

البيشيق

بقلم: عبدالمجيد نورالدين إبنعوف

مما يُحكي وفي الزمن الغابر أن صبياً من منطقة دنقلا أزمع الهجرة شمالاً لأرض الكنانة مصر حيث لم يكن آنذاك إغتراب للبلدان والخلجان .

كان على من يرغب في الهجرة أن يهيئ بقجته بغيار وملفحة (متلوق) ويشد الرحال سيراً على الأقدام في رحلة تستغرق أسابيع يمر خلالها على مناطق المحس وحلفا ... في محطات يقتات منها هي الخلاوى وبيوت بعض المحسنين من الأهالي لأمثاله من عابري السبيل .

بلغ صاحبنا مبتغاه وحط به الرحال بأم الدنيا بعد لأي وإعياء نزل ضيفاً عند أقاربه أبناء قريته الذين وُفقوا في الحصول على عمل مناسب له .

مرت الأيام والشهور والسنوات . وإدًخر بعض المال وجهّز حقيبة الهدايا .. وسافر للبلد سالماً غانما .

لدي وصوله الميمون لقريته حُظي بإستقبال حافل من والدته وأفراد أسرته وسكان القرية سيما وقد تبدلت ملامحه وإبيضّت بشرته وتبدلت ملابسه من (عراقي) بلدي من قماش (دمُّور) شرب وتشرّب من مياه الدميرة وأخذ لون مياهها إلى جلباب بلياقة من كستور مصري مزركش لامع.

وتبدّل لسانه من نوبي (انداندي) لعربية عامية مصرية لا يتحدث إلا بها ..رغم ضآله ذخيرته من العربية وكثرة مطبات لسانه في التذكير والتأنيث .

ذات يوم رافق والده لمزرعتهم الواقعة في جرف النيل حيث ساقيتهم العتيقة (مدوّرة) وسائقها (الأوراتي) قابع في عرينه (التُكُم) وقد كان هو يوماَ سائقها ، إلا أنه اليوم بدا وتظاهر وكأنه يرى هذه الآلة الخشبية الهندسية لأول مرة.

شاهد تلك القواديس ( البيشيق ) في حركتها الدائرية وهي تغطس وتمتلئ بالمياه من القاع (الكوديك) وتصبها على الجدول وعبره سقيا لأحواض الزرع .

وقف صاحبنا بعيداً حتى لا تبتل ملابسه الجديدة بالمياه المتطايرة من أثر إرتطام المياه ، وقف مشدوهاً وكأنه سائح قادم من وراء البحار تطأ قدماه هذه البلاد لأول مرة .

كَفَرَ صاحبنا .. حينما تجرأ وسأل والده (بلهجة مصرية) وهو يشير بسبابته للبيشيق (القادوس) :
ياسلااااام .. إسمو ايه ده !!؟؟

إندهش والده وإستشاط غضباً لنكرانه .. ثم إقترب منه وأمسك به بكلتا يديه على خاصرته ونادى على الصبي (الأوراتي) بأن يوقف الساقية ويأتي بحبلٍ ثم نادى على تربال (مزارع) شاب مانع ، وأمرهما بجر صاحبنا وربطِه باحكام مع القواديس (البيشيق) التي تغطس في المياه في حركة دائرية رأسية . وتم ذلك بالفعل وصاحبنا يصرخ ويستجدي ، ثم أذن للصبي .. وتدور الساقية وتتحرك القواديس (البيشيق) إلى (الكوديك) في قاع المياه وصاحبنا (المتمصّر) مربوط بها .. أخذ الغطسة الأولى مع القواديس ثم تدلت القواديس إلى عمق المياه وغطس معها ... وهكذا لغطسات ثلاث ..إلى أن إنهار وإمتلأ بطنه بالمياه وكاد أن يُهلك .

حينها بدأ يصرخ لوالده بصوت مشروخ .. معترفاً ومستنجداً .. وبلغته النوبية الخالصة :
Aaba baishen aygi kosmogo))
والترجمة : فِكَني يا أبوي أنا عارفو ده بيشيق .. بيشيق .. بيشيق.
حينها أمر الوالد بإيقاف الساقية وحركة دورانها وفك رباط صاحبنا وقد تلطخت جلبابه وإبتلت بالمياه العكرة (وبغيرها !).

وعقاباً .. أمر والده الصبي السائق (الأوراتي) بان يخلي مكانه (التكم) ويحل بدلاً عنه صاحبنا المبتل المبتلى . وأقسم بالطلاق بأن يبقى هو (اوراتي) سائقاً لساقيتهم ولا يعود لمصر مرة أخرى عقاباً لنكرانه وجزاءاً بما كسب لسانه !!.



اعلان

إعلانك هنا