تلويح البرهان بمطاردة الفلول انزعاج من دورها أم مناورة
الخرطوم- شككت قوى داخلية وخارجية في توجه النيابة العامة السودانية لإلقاء القبض على عدد من رموز نظام الرئيس السابق عمر البشير في السودان، وتعاملت معه على أنه مناورة سياسية من قبل قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان الذي وجد نفسه محاصراً بجملة من الأزمات بسبب ظهور قيادات إسلامية في مشهد الحرب، بما يعزز رواية قوات الدعم السريع المبكرة بشأن العلاقة الوطيدة بين البرهان والإسلاميين.
ولم تأخذ قوى سودانية هذا التوجه على محمل الجد، لأن النيابة التي بدأت تحركها يوم الثلاثاء فقط، وقعت في خطأ بالغ، حيث تجاهلت على مدار أكثر من ثلاثة أشهر هروب فلول النظام السابق ولم تتحرك إلا بعد أن وجد الجنرال نفسه في حرج بالغ.
وأصدرت نيابة كسلا في شرق السودان الثلاثاء أوامر بالقبض على علي عثمان طه النائب الأول للرئيس السوداني سابقا، ورئيس حزب المؤتمر الوطني المكلف أحمد هارون، ووالي الخرطوم الأسبق عبدالرحمن الخضر، ووزير الطاقة والتعدين الأسبق عوض الجاز، ورئيس البرلمان في العهد السابق الفاتح عزالدين.
وجاء هذا التحرك بعد مشاركة رموز من النظام السابق -هربت من سجن كوبر بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع- في أنشطة عامة في شرق السودان، وحديثها عن خلق جبهة عسكرية مساندة للجيش، بهدف إيجاد جبهة مقابلة لدارفور يمكن تصديرها لخلط أوراق الصراع لصالح الجيش.
وأثار ظهور رموز من نظام البشير استفزاز قطاعات واسعة من المواطنين، ووضع الجيش الذي يحاول تصوير الحرب على أنها تمرد في موقف حرج أمام دوائر شعبية دعمته في الحرب وقوى إقليمية ودولية تتجاهل العلاقة بين البرهان والفلول.
وأكدت تحركات رموز البشير أنها تملك قدرة على التأثير في الأوضاع لتحقيق مصالحها من خلال إطالة أمد الحرب واستمرار الفوضى التي تقوض مساعي إجراء محاكمات عادلة وسريعة للمتهمين في جرائم حرب ضد الإنسانية في إقليم دارفور.
وعززت خطوات نيابة كسلا الاتهامات التي وجهها قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وأشار فيها إلى أن رئيس حزب المؤتمر الوطني المكلف أحمد هارون يرأس قوات الأمن في ولايتي كسلا والقضارف، وهو ما دفع البرهان للتبرؤ من الاتهام بتوظيف ورقة التوقيف بحق فلول البشير.
وحذر مكتب الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع الأربعاء من نذر حرب أهلية بين مكونات شرق السودان، بدأت ملامحها تطل عبر تسليح بعض القبائل دون أخرى.
واعتبرت قوات الدعم السريع أن التحركات العلنية والاجتماعات التي عقدتها قيادات حزب المؤتمر الوطني (المنحل) في شرق السودان بعلم وتنسيق من قيادات القوات المسلحة وتحت حماية الاستخبارات العسكرية وحكومات الولايات تكشف بجلاء حجم المؤامرة التي يتعرض لها الشعب السوداني والتي تمثل الحرب الدائرة مجرد بداية لها.
وذكرت أن البرهان يتراجع عن قراراته كلما اصطدم بواقع مرير يظهره غير قادر على التحرك إلى الأمام، وهو ما حدث مرات عديدة سابقا، فقد وجد نفسه في ورطة حقيقية لأن هؤلاء سيشكلون تهديداً مباشرا عليه، ووجودهم يثبت الاتهامات التي تشير إلى أن الإسلاميين هم من ورطوا البرهان في الحرب.
ويتابع البرهان التصريحات التي تصدر بين الحين والآخر من محسوبين على الحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي، وتطالب صراحة بإبعاده من على رأس قيادة الجيش، ما يدفعه نحو اتخاذ قرار معاكس يشير فيه إلى قدرته على تحجيم حضورهم.
وقال الخبير العسكري محمد خليل الصائم لـ”العرب” إن حضور الإسلاميين في القوات المسلحة لا يعني التحكم في قراراتها، خاصة أن محاولات تسيير الحرب لمصلحة فلول البشير تواجه رفضًا واسعًا داخل الجيش، وهو ما يدفع نحو اتخاذ قرارات بإبعاد الرموز السياسية المؤثرة، وأن صعوبة الأوضاع الإنسانية في الخرطوم جعلت هناك رغبة جامحة في إنقاذ السودان من السقوط أسوة بدول أخرى في المنطقة.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن إعادة اعتقال أحمد هارون وأعوانه أمر منطقي ولا بد من تقديمهم لمحاكمات والتأكيد أن ما ارتكبوه من جرائم لن يسقط بالتقادم، ويشير قرار النيابة العامة إلى جدية في إعادة إلقاء القبض عليهم حال كانوا داخل البلاد ولم يتمكنوا من الفرار.
وفر عدد من رموز نظام البشير من سجن كوبر في الخرطوم، حيث احتجزوا منذ عام 2019 عندما أطاح الجيش وقوات الدعم السريع بالبشير بعد احتجاجات واسعة. وقال هارون في تسجيل صوتي عقب بدء الحرب إن المسؤولين في حزب المؤتمر الوطني سيتولون مسؤولية حمايتهم، وسيُسلّمون أنفسهم عندما تبدأ المحاكم إجراءاتها.