قصة خروج البرهان من الالف للياء
تقرير: عبد الرحمن الكلس
في أول خروج له بعيداً عن أسوار القيادة العامة للجيش السوداني منذ بداية الحرب في 15 أبريل المنصرم، ومع دخولها الشهر الخامس ظهر صباح اليوم الخميس 24 أغسطس القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وسط جنوده في مدينة أم درمان. ما طرح تساؤلات عديدة في الشارع السوداني، خصوصًا وأنه لم يكن طوال هذه الفترة داخل مكتبه بقيادة الجيش، بل كان داخل سرداب من سراديبها الكثيرة (بدروم) التي شيدها وزير دفاع النظام البائد عبد الرحيم محمد حسين، الذي ينتمي لجماعة الاخوان المسلمين، والتي يطلق الشعب السوداني على عناصرها (الكيزان)، ومفردها (كوز) وهو إناء لشرب المياه، تأسياً بمقولة مؤسس الجماعة المصري “حسن البنا”: ( الدين بحرٌ ونحن كيزان نغرف منه).
باتفاقٍ مسبق:
خروج البرهان لأول من أسوار قيادة الجيش التي تحاصرها قوات الدعم السريع طرح علامات استفهام كثيرة، خصوصاً أنّ توقيتها تزامن مع دخول (الدعم السريع) أهم قاعدة عسكرية في الخرطوم (سلاح المدرعات) وفرض سيطرته على حوالي 85% منها، بحسب تقدير مراقب عسكري، بينها مستودعات (هناكر) الدبابات والسيارات المدرعة ومخازن الأسلحة.
وبحسب مصادر عسكرية عالية الموثوقية ان خروج القائد المحاصر بهذه البساطة تم إثر اتفاق بادرت به دولة كبرى مع دولة خليجية – لم تفصح المصادر عنهما- بالتنسيق مع قوات الدعم السريع، على يسمحوا بخروج قائد الجيش من مقر القيادة العامة ، دون أن تتعرض له القوات التي تحاصر القيادة. وأكدت المصادر أنّ الغرض من الاتفاق (الصفقة) هي إتاحة الفرصة والمساحة لقائد الجيش لبسط نفوذه على الأرض وسط جيشه، خاصة أن الفراغ الذي تركه استثمرته الحركة الاسلامية بواسطة تنظيمها العسكري داخل القوات المسلحة ومليشياتها المساندة للجيش؛ والتي بدأت في التمدد في المجال العسكري، بل أصبحت تتحدث بلسان الجيش، الأمر الذي خلق مخاوفًا حقيقية من عودة التنظيم العسكري للإسلاميين الراديكاليين إلى حكم السودان مرة أخرى.
مضيفة بان البرهان تعهد بحسم تحركات الحركة الاسلامية ( الإخوان) وتوغلها في الشأن العسكري، وأكد للوسطاء بدء قطع أي علاقة له معهم.
بضمان الغير:
وأضافت المصادر أن التقارب الدبلوماسي الذي طرأ أخيراً بين وزارة الخارجية السودانية التي تسيطر عليها كوادر التنظيم الاسلامي مع إيران وروسيا أثار مخاوف دول خليجية وغربية، وزادت؛ إنه وبموجب الاتفاق التزم البرهان بحسم عناصر الحركة الاسلامية ووقف حملات الاستنفار التي تديرها الحركة الاسلامية تحت ستار الوقوف مع الجيش ضد التمرد، فيما هي في واقع الأمر تقوم باستنفار قواعدها من أجل بسط نفوذها وفرض سيطرتها على الجيش نفسه، ومن ثم الاستيلاء على السلطة، بعد أن فرضت عملياً سيطرتها على جميع مفاصل الحكم بكافة مستوياته في جميع ولايات البلاد شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، عدا مناطق سيطرة الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو وبعض ولايات دارفور.
وفي المقابل أكدت المصادر نفسها؛ أنّ قوات الدعم السريع سمحت للبرهان بالخروج رفقة (4) من صغار الضباط يمثلون طاقم مكتبه، فيما لا تزال تفرض طوقاً على مقر قيادة الجيش التي يوجد بداخلها رئيس هيئة الأركان وجميع ضباطها، وقادة الفرق والأفرع العسكرية ولم تسمح لهم بالخروج، مع استمرارها في السيطرة على المقار العسكرية التي استولت عليها، كما لن تتوقف عملياتها العسكرية من أجل (تحرير) المقار العسكرية القليلة المتبقية- بحسب تعبير مصدر مقرب من قوات الدعم السريع، والذي وصف خروج البرهان بأنه تم (بضمانة الغير)، في إشارة لبقية قادة الجيش الذين ما يزالوا محاضرين داخل القيادة العامة .
واستبعدت المصادر العسكرية حدوث هدنة عسكرية مترافقة مع خروج البرهان، قائلة بأن الوقت لا يزال مبكرًا لحدوث مثل هذا الأمر.