ما بين ابتسامة وعبوس قصة حرب كدتُ أن أكون احد ضحاياها
Faiz Alsilaik
قبل ١٨ عاماً حين قادتني مهنتي الصحفية الى حيث يشتد القتال وقتها. كان الموت قاب قوسين أو دانة مدفع أخطأتنا. كنا مجموعة من الصحافيين والمراسلين الأجانب في العاصمة الاريترية اسمرا. كان " الأخوة الأعداء" في أشد حالات خصوماتهم. خصومة مشحونة من قوة الجبال، وغموض طرقاتها ومفاجآتها. في مايو من عام ٢٠٠٠ وقبيل انتهائها ذهبنا الى مدينة زلامبسا, توجهنا من اسمرا بصحبة فريق من بروتكول الخارجية والرئاسة الاريترية. عبرنا مدن دقمحري رمز الصمود الاريتري قبيل الاستقلال في عام ١٩٩١. ثم سقينتي وعدي قيح وتسرونا حتى زلامبسا، أو ذيل الأسد!. كان الجيش الاريتري يريد شهادتنا على انسحابه من المدينة انسحابا منظماً وفقاً لمقترحات مبادرة السلام الجزائرية وقتها، كان المقترح يدعو ال اعادة انتشار القوات الى مناطقا قبل بداية الحرب في عام ١٩٩٨. ذهبنا ولا نعلم شيئا. وهو أمر متوقع منا بطبيعة المهنة التي قادتنا الى جبهات عدة. بارنتو ساعة بؤس، وتسني وقت غدر وعصب التي صارت اشباحا.حين زرتها تذكرت مقولة رئيس وزراء اثيوبيا الاسبق مليس زيناوي، حين اقترح عليه وسطاء الاتفاق مع غريمه أفورقي والعودة الى استخدام ميناء عصب الواقع عللا البحر الأحمر، قالها بكل صلف " لن نستخدمها فليحولها الاريتريون الى مورد للابل" كان زيناوي يحلم بالاستيلاء على الميناء، وقد وعد الوسطاء باخبار سارة وقال " The war is over" انتهت الحرب . كان يتوقع استيلاء قواته على المنفذ البحري، إلا أن جسارة الاريتريين حالت دون ذلك فتم التوقيع على اتفاق يحمل ملامه من صورة موقعيه.. في ذلك المشهد المشحون ذهبنا. استقبلتنا المدفعية الاثيوبية بغزارة. انهمرت مثل انهمار امطار الهضبة ودوت كدوي رعودها. كنت اتخيل أن دانة سوف ترطم بصخر ما ثم تنفجر في السيارة التي سافرنا بها. وحين وصلنا المدينة وجدمتهت بلا روح. مهمشمة تماما الا من منزل يتيم وقف كشاهد قبر على جثة المدينة. كان الاثيوبيون يودون احراز انتصار حاسم، ليعلنوا خروج القوات الاريترية خاسرة مدحورة، بينما كان غرض اسمرا الاعلان عن انسحاب منظم. احتمينا بالبيت الحجري حتى تحينا فرصة فتسللت السيارات وسط طريق جبلي حلزوني وعر شق من أجل الحرب، وكلما ابتعد صدى المدفعية اتسعت الابتسامات, لم تكن زلامبسا هي القصة الوحيدة، بل كانت هناك حكايات كثيرة، تفاصيل مثيرة، وقصص شهد ودموع؛ اتمنى ان احكيها يوما ما. عشرون عاما من اللاحرب واللاسلم! كانت أعواماً حملت ملامحها من صلف زناوي وعناد أفورقي! أذكر حواراً طويلاً مع أصدقاء وصديقات حول الحرب هناك. سألوني في مدينة جوبا عن امكانية تحقيق سلام بين اسمرا واديس ابابا؟ قلتُ لا بد من معجزة الاهية. سألتني أكثر الصديقات اهتماماً، وهي عاملة في منظمة دولية. لماذا؟ وما هي المعجزة؟ قلت. أن يذهب أحد الزعيمين، أو يذهبنا معاً. استغربت سائلتي. قلتُ لها زناوي رجل ذكي لكنه لا يخلو من صلف اضافة الى دعم دولي. وقصدتُ ذلك. لماذا لا يقبل ترسيم الحدود؟ ولماذا يصمت المجتمع الدولي؟ أما أفورقي فهو ثوري مغامر وعنيد، ومستعد أن يموت وان يموت معه كل الاريتريين اذا ما كان الخيار أن يقدم تنازلاً يشعره بالهزيمة. ُثم أن استمرار الحرب صار اشبه بلعبة مسلية، وغطاء يغطي به الطرفان واقع داخلي بئيس! اريتريا محاصرة وتعيش اوضاعا سيئة اقتصاديا وحقوقيا، ودوننا جيوش الهاربين! واثيوبيا مثل كرة رمل تنتظر أول دحرجة لتتفتت مع أن منظرها يخدع من ينظر من بعيد أو يظن أن الأشياء هي الأشياء!. وبعد عام من حديثي مات زيناوي إلا ان قومه التقراي ساروا في دربه، وكأن الحرب لهم هي حرب تقراي وافورقي! وجاء دبسلين المسالم، منزوع الارادة ، وتدجردت كرة الرمل، وظهر الارومو كعنصر فاعل ومؤثر انجب الشاب ابي احمد الذي يذكرني باراك أوباما في كاريزماه، حضوره، مبادرته وشجاعته. أتمنى أن يعيش الشاب طويلا أو أن لا تغريه السلطة والمجد يوما ما!. وجاء الخبر والسلام المنتظر. ولما أعلن قبوله تنفيذ اتفاق السلام قلت ليت اسياس يرد التحية بمثلها أو أحسن منها! وقد كان بأرسال وفد رفيع الى اديس ابابا، ثم جاء ابي احمد يسعى بنفسه حاملاً غصن زيتون وحمامة سلام. فكانت الصورة الثانية تروي مشاعر الطرفين. لا منتصر أو مهزوم مثلما في الصورة الأولى، بل الجميع منتصر بلا شك. وأتوقع أن يفضي الأمر الى انعكاسات ايجابية على الداخل. أتطلع الى اصلاحات في مسألى التجنيد الاجباري، والحريات والأزمات الاقتصادية. ليت ذلك يكون الخبر القادم. ليت السلام يعم،