سارة القضاة
على الطرف الآخر من الخوف، لا يوجد غيري أنا؛ أجلس وحيدة وخائفة أيضًا، ولا شيء يشبه خوفي.
يسألني الخوف من الضفة الأخرى: كيف حال الفتاة الخائفة؟ وأجيب دون لحظة تفكيرٍ بابتسامة التائه؛ فأسحب بساط الخوف من تحت قدميّ الخوف الجالس على الضفة الأخرى وألقيه بعيدًا، أُعرّيه دونما أي ترددٍ أو رحمة، ثم أتركه مع الهلع.
يسألني الخوف من الضفة الأخرى: كيف حال الفتاة الخائفة؟ وأجيب دون لحظة تفكيرٍ بابتسامة التائه؛ فأسحب بساط الخوف من تحت قدميّ الخوف الجالس على الضفة الأخرى وألقيه بعيدًا، أُعرّيه دونما أي ترددٍ أو رحمة، ثم أتركه مع الهلع.
على الطرف الآخر من الصباح، هناك عتمةٌ تعرفني جيدًا وأعرفها جيدًا؛ تعرف أن خوفًا ما خاضعٌ داخلي لا سبيل له إلا من خلال نظراتٍ خاطفةٍ وابتساماتٍ سريعة، تعرف أنه يستهلك قلبي، يضيق علي، وأنني أختنق به وأظلّ أمضي بيدين باردتين وأنفٌ يتحسس من الحياة. تسألني دائمًا عن صوتي الذي اختفى، وحين عاد لم نعرفه.
على الطرف الآخر من هذا المكان، أعرف تمامًا أنني حين أرحل أذهب إلى الأبدية، فلا أخشى إلا الأبعاد الواسعة، كتلك الفجوة بين المنصة والقطار حين أسافر إلى المدن الغريبة، أخاف من الفراغ الصغير بين الممر والطائرة حين أهمُّ بمغادرة هذا المكان، وأخاف من بداية كل حلم في رحلة العبور التي اختارها أو تختارني، وترعبني نبضات قلبي السريعة حين تهاجمني فجأة بعد جرعةٍ فائضةٍ من القهوة، وأخشى على عقلي أن أفقده إذا ما عاش في الاتزان طويلًا وأحزن عليه أن تستعمره أفكار هذه المدينة، فأتطلع للأبدية.
على الطرف الآخر من المرايا المختلفة الأشكال والأحجام، أرى انعكاسًا لوجوهٍ بصورٍ مختلفة، لا أرى وجهي ولا أي شيءٍ يشبهه؛ أحيانًا استحضر رؤيةً عاريةً لوجهٍ ما يحاول العثور على تعريفٍ لنفسه، لكنني أستطيع مرارًا إدراك صورة لامرأة برية؛ وقفت بجرأة بشعرها المتناثر دون انتظام في كل مكان، تحاول سرقة وجهها من الأرض الشائكة بشفتين مفتوحتين وجنون أبله، وتتلاشى صورتها سريعًا. وأحيانًا لا أرى إلا انعكاس الضوء وصمتٍ بليد. وأحيان أخرى أرى خيوطًا كثيرة؛ مستقيمة، متشابكة، متعرجة ومكسورة. ولا أرى نفسي أبدًا.
على الطرف الآخر من الخوف، أجلس وحيدة إلا من خوفي، ونراقب سويًا الضفة الأخرى، نرى الهلع والصباحات المعتمة والأبعاد الواسعة والمرايا، وشعلة الموت، ونتمسك بما تبقى معنا من ابتساماتٍ ورغبةٍ في الحياة، ونتطلع للأبدية.