أ.د التجاني عبد القادر
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، واختارت الدولة العثمانية الوقوف الى جانب ألمانيا، عملت بريطانيا جاهدة على تحريض العرب للقيام بثورة ضد الدولة العثمانية، وأوكلت مهمة قيادة "الثورة العربية" الى الشريف حسين، شريف مكة، كما هو معلوم، فتعهد بتجميع وتعبئة العناصر المقاتلة من القبائل العربية ومهاجمة الجيوش العثمانية واخراجها من الجزيرة العربية وسوريا والعراق، على أن تتعهد بريطانيا في مقابل ذلك بدفع التكلفة المالية للثورة، وبتسليم الولايات العربية بعد تحريرها من العثمانيين الى شريف مكة ليجعل منها "مملكة عربية" تمتد من الفرات الى البحر الأحمر، يكون على ٍرأسها هو وأولاده (فيصل وعبد الله) الى يوم الدين.
كان البريطانيون يعلمون أن اقامة "مملكة عربية متحدة" هي مجرد "حلم" لا يوجد الا في رأس السيد الشريف حسين، وهو حلم لن يسمحوا بتحقيقه، ولكنهم مع ذلك كانوا يريدون استخدام رمزيته العربية في دغدغة المشاعر القومية للعرب، كما كانوا يريدون استخدام نسبه الشريف في دغدغة المشاعر الدينية للمسلمين، على أن الامر كله لم يعدو أن يكون "لعبة" دبلوماسية تعينهم في الحرب على العثمانيين. غير أن الشريف حسين قام في عام 1915، والحرب لم تضع أوزارها بعد، بكتابة مذكرة الى المندوب البريطاني السامي (ماك ماهون) يؤكد فيها على مطالبه بإقامة المملكة العربية المتحدة "الموعودة"، وذلك إما لأنه لم يفطن الى "اللعبة"، أو لأنه كان متعجلا أكثر مما هو مطلوب. ولما قرئت المذكرة في مقر المندوب السامي بالقاهرة، علق سكرتيره لشؤون الشرق ساخرا: أعتقد أن "الشريف" قد فتح فمه أوسع مما يجب (opened his mouth a good deal too wide)، كما أن الحكومة البريطانية قد فتحت "محفظتها" أوسع مما يجب.
لقد لفتت نظري هذه اللعبة الذكية، كما لفت نظري هذا التعبير البليغ-الموجع وأنا أتأمل "رقصة السيف" التي أداها الرئيس الأمريكي قبل عام مع أقطاب الأسرة الحاكمة في السعودية، وما تبع ذلك من إعادة فرض الحصار على إيران وتضييق الخناق على تركيا. أليس من الراجح أننا نشهد تكرارا للمسرحية ذاتها، مع قليل من الحذف والاضافة في الأسماء والصفات؟ ألسنا نرى أن هناك من صار يفتح فمه ومحفظته أكثر مما يجب؟