بائعة الجبن !..قصة قصيرة - موقع الحوش نيوز

موقع الحوش نيوز

موقع الحوش نيوز

اخر الأخبار

اعلان

ضع إعلانك هنا

اعلان

إعلانك هنا

Sunday, June 18, 2023

بائعة الجبن !..قصة قصيرة

 

بائعة الجبن !..قصة قصيرة

بقلم: د. سيد شعبان

غادرت بيتها مسرعة - لم يكن غير حجرتين من الطوب اللبن مسقوفتين ببعض أخشاب نخرها السوس ، وفوقها تلة من قش الأرز ، وبعض أكوام من حطب القطن ، وربما كانت تضع بعضا من أقراص روث ماشية العمدة ، ولهما باب متصدع ، ليس له مزلاج إلا حجرة كبيرة جاء بها المتبولي في خلسة من خفير الجسر ؛ فقد كانت من حجارة الشاطيء لتمنع الفيضان أن يغرق الكفر - فقد اقترب موعد القطار ، سمعت صوت صافرة المقابل ، إنه الآن خرج من محطة " قلين " ، تلك المدينة الغافية في أعماق الدلتا والتى لا يسمع أحد بها إلا أنها ملتقى قطارات جعل موقعها لها تلك الميزة ثم إن تأخر قطار مقابل لا يجد الركاب ما يسد أمعاءهم ، ولا يسليهم إلا مطارة البعوض ، تحرك القطار ، لملمت أشياءها ، صاحت بزوجها متبولي ، ذلك الرجل الكسول الذي لا عمل له إلا أن يقوم كل فجر ويعد لها " عربة الكارو" وقد يأتيها كلما وجد من نفسه رغبة ، لم يكن هذا شاغلها ، تعرف أنه لا يجيد شيئا وراءها هما وحملا عليها أن تطعمه ، وهل تفعل مثل جاراتها ؟!

ينمن حتى الضحى ، توضأت في عجل وصلت الصبح ، ركبت العربة ، تنظر في طريقها حقول الأرز وقد امتﻷت بالضفدع يصدر نقيقه ، وأسرابا من البعوض المتوحش تمعن في لدغها ، ومتبولي يتناوم ، لعلة في طبعه ، صاحت به ، اضرب الحمار ، شد لجامه ، أوشك القطار أن يدخل المحطة ، ما عاد على المحطة إلا أمتار قلائل ، أسرع يا رجل !

تتداعى الخواطر في عقلها ، ترى ما يحدث لو فاتني القطار ؟ ما أفعل بالجبن ؟ هكذا تحدث نفسها ، بل تحك يديها وشفتيها في صمت ، استغرقت في ذلك الحوار المكتوم ، ربما لم تدر كم غابت مع خيالاتها تلك ؟!

القطار الآخر يصل إلى " الإسكندرية " مع آذان الظهر ، يكون السوق قد انفض !

اليوم هو الأخير قبل "وقفة العيد" أريد ان أعود ﻷولادي بما وعدتهم به من شراء ملابس جديدة ، لا ضير هي ﻷولاد بعض زبائني ، سأضع بها بعض العطر ، نعم حذاء لأحلام ، وثوبا لأمينة ، وقميصا لخالد !

وجلبابا لمتبولي !

انتبهت لضوء القطار؛ يوشك أن يغادر محطة "سنهور" ، لا تدري لم طالت المسافة هذه المرة ؟ وعهدها أنها تقطعها كل يوم من" الكفر " إلى المحطة في ثلث ساعة أو أزيد قليلا - لم تعلم أن المتبولي قد تكاسل أن يصلح لجام الحمار ، تمزق ولم يربطه كل ما يشغله أن يوصلها كل يوم مع مطلع الفجر ، ثم يعود أدراجه وينام حتى تضربه شمس الضحى ، يذهب إلى المسجد وهناك يلعب مع المتبطلين مثله " السيجة " يمضي ساعات النهار متسكعا هنا وهناك ، ومع الساعة الخامسة يعود ليحضر أم العيال ، وقد يناديها أحيانا " رجل الدار " - إنه يقترب مثل دودوة القطن ، أنزل عمودا المزلقان ، في لمحة عين نزلت وخلعت شالها الأبيض ، أسرعت وتركت متبولي ، أبطأ القطار في مغادرة المحطة بعض دقائق ، لم يصل المتبولي ، لكنها أدركت القطار !

أشارت إليه انتظر سأعود لأن حاجات العيد أهم !

يتحرك ببطء مغادرا المحطة، ثعبان يتمطى ، تقف بالباب، حسرة تخرج من صدرها !



اعلان

إعلانك هنا