يانخيل بلادي - سلام ..
بقلم: عبدالمجيد نورالدين ابنعوف
النخلة شجرة التمر، وجمعها نخل ونخيل ونخلات ، يُذكر ويُؤنث وتلك ميزة أُخرى أُضيفها لميزاتها ! فقد أحسنت ورفعت عن أهلنا أرباب النخيل بالشمالية الكلفة وجنّبتهم مطبات التذكير والتأنيث في العربية.
والنخل موطنه الأصلي كما ذكر المؤرخون العراق ومصر والخليج ولم يذكر المؤرخون السودان رغم أنه موجود في شمال السودان منذ قديم الزمان كما ذكر الباحث العراقي بروفيسور عبدالباسط عودة حيث ذكر أن شمال السودان هو الموطن الاول لأشجار النخيل , ولا أستبعد ذلك فقد وجدت أجود أنواع التمور المصرية ( بنتمودا ) والمغاربية ( تمودي ) والامريكية (Benji) كلها تحمل أسماء باللغة النوبية !.
وقد ورد ذكر النخل كثيراً في القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والأحاديث النبوية والأساطير وحكاوي الحبوبات .. وهو أشرف الشجر كما قال المعري : شربنا ماء دجلة خير ماء وزرنا أشرف الشجر النخيلا .
وهذا الشرف مستحق فأجزاء النخلة سخرها الله لخدمة الإنسان ثمارها وليفها وجريدها وسعفها وجذعها وظلالها الوارفة فهي شجرة مباركة معطاءة شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن بها , وتشرفت بأن تكون جذعها اتكاءة وثمارها قوتاً للسيدة مريم .
والنخلة شبيهة بالإنسان في أطوارها في عمرها وإعتدال قوامها , وعندما تطول النخلة وتكبر ينحني ظهرها واذا قطع عنقها ماتت وفي النخيل الذكر والأنثى كما في الإنسان وكذلك رائحة الطلع تشبه رائحة ماء الانسان (المني) والذكر يختلف ويمكن فرزه من الأنثى , رأس الذكر كبير وأشواكه حادة وقوية وكربه عريض وسعفها غير متناسق عكس الأنثى المتناسقة الهيفاء معتدلة القوام .
ولأهلنا بشمال السودان تقدير ومكانة خاصة للنخلة في معتقداتهم أكثر من أشجار الفواكه الأخرى فهم يقطعون جرايد النخل ويحملونها في الأعراس وفي الختان , ويضعونها في مقابر موتاهم ..
وأذكر ونحن في مهد صبانا كنا نصطف على حافة (القيف ) لنشاهد النخلة المثمرة وقد اقتلعها الهدام من جذورها لتجرفها مياه الدميرة وتتجه بها الى الشمال , كنا نودع مثل هذه النخلة الطافية بحزن بالغ .. كنت أتخيل وكأنها جثة لإمرأة حبلى غريقة نادت واستنجدت ولم تجد معيناًومغيثاً , ثم فارقت الحياة مستسلمةً لمياه الدميرة الهائجة العارمة....
و تمتاز التمور بقيمة غذائية عالية يمكن استخدامها في صناعات عديدة مثل المربى وعسل البلح والسكر والحلويات والخل والخمائر والكحول - وبالتأكيد لا أعني بالكحول (عرقي البلح) ..
والتمور فاكهة في الخرطوم وطعام في الشمالية والتالف الحشف (الكُشوش) غذاء ( للغنمايات ) ومدر لألبانها ..
.. كما يتم استخدام الأجزاء المختلفة من النخيل في الصناعات الصغيرة المنزلية والكراسي والصناديق والسلال والسقوف ... ويستفاد من النخيل في توفير الظلال لزراعة البرسيم والخضراوات المختلفة ..
ورغم هذه المزايا المتنوعة ورغم ملاءمة أجواء الشمالية وخصوبة اراضيها الشاسعة ووجود الأيدي الماهرة المتمرسة في زراعة النخيل بالفطرة والوراثة ورغم حاجة السوق المحلي والعالمي للتمور وحاجة الدولة للعملات الصعبة وحاجة الشمالية الماسة لعودة أبنائها المنتشرين في بقاع الدنيا للإستقرار والإستثمار والمساهمة في تنمية الولاية بالعمل والزراعة في مشروع إتحادي قومي ، مشروع ضخم يجعل السودان في مقدمة الدول في مجال زراعة أشجار النخيل , مشروع مثل مشروع الجزيرة والمشاريع الزراعية الأخرى .. الكبرى .
نأمل أن تجد هذه الشجرة المباركة - شعار الولاية الشمالية وعنوانها - إهتماماً يليق بها من المسؤولين بالولاية والوزارات المعنية بالزراعة والإستثمار بعد أن تاثرت زراعة أشجار النخيل في الشمالية بالإغتراب والهجرة إلى المدن تأثراً سلبياً وذبلت نخيل الأجداد وإصّفرت وإحدودبت ظهورها وإنكسرت , وإختفى طائر ( القلوكب ) عاشق النخيل وقرينها ورحلت من أزهارها الفراشات ونابت عنها حشرات قشريات ضارات وغاب عنها اللقاح وهاجرالملقِّح وإفترست النيران أجسادها الهزيلة .
فلم تجد من بعدها .. جيلاً.. يحفظ لها وجودها..