موقف عمومي: في برنامج إذاعي - موقع الحوش نيوز

موقع الحوش نيوز

موقع الحوش نيوز

اخر الأخبار

اعلان

ضع إعلانك هنا

اعلان

إعلانك هنا

Sunday, August 27, 2023

موقف عمومي: في برنامج إذاعي

 

 موقف عمومي: في برنامج إذاعي

بقلم: د. هاشم غرايبه

في برنامج إذاعي، يقدم فيها المفتي إجابات عن أسئلة يسألها المستمعون، أعجبني رده على متصل شكا له جاره الذي قاطعه إثر نصح خالص قدمه له، فسأله المفتي وماذا كانت النصيحة؟، رد: لقد رأيت ابنته تنزل من سيارة رجل أوصلها قريبا من بيتها، فنصحت أباها أن يشدد الرقابة على أهل بيته لأن الزنا أكبر الكبائر، فقال له المفتي: أوذكرت الزنا في كلامك؟، قال: بلى، أليس الإختلاط نتيجته الزنا!؟.

كان رد المفتي عليه قاسيا، وعنفّه طويلا وقال له: ألا تعلم أنك تستحق حد القذف؟ ومن أدراك من يكون هذا الرجل ..فقد يكون شخصا من غير أهلها انت لا تعرفه، لكنه أحد محارمها، فكيف تفتري عليهما أمرا لا تعلمه؟، ألم تعلم أن الله قد اشترط أربعة شهود عدول لقبول تهمة الزنا، ولو لم يكونوا إلا ثلاثة لرفضت شهادتهم وجلدوا كل واحد ثمانين جلدة؟، إن أعراض الناس عند الله مصانة، ولا يقبل أن تصبح مجالا للتندر واللوك بالألسن، ولو من باب حسن النية ودرء المفاسد.

في مجتمعاتنا الحاضرة والتي تشهد انفتاحا ثقافيا وعلميا ومشاركة المرأة في شتى مجالات الحياة، لم يعد مفهوم الإختلاط هو ذاته الذي كان سائدا في المجتمعات القديمة التي لم تكن فيه المرأة تخرج من الخيمة أو البيت إلا لجلب الماء، لذلك فإن التقاءها بالرجل خلال ذلك المشوار لن يكون بريئا، وإن حدث فيه اختلاء بينهما فهو مشبوه.

هذه النقلة الواسعة تفهّمتها غالبية الناس وتعاملوا معها بحكمة، ولما أن الدين لم يمنع الاختلاط بين الجنسين، بل وضع الضوابط التي فهمها والتزم بها الأغلبية، فقد نجت المجتمعات المؤمنة من هزة مُخِلّة بأمنها وسلامة بنيانها.

ذلك لأن غالبية هذه المجتمعات معتدلون، لكن هنالك أقلية أفسدت هذا الأمان، هم صنفان من الناس، لم تستوعبها عقولهم لأنهم بطبيعتهم متطرفون في فهم الأمور، وضعيفو السيطرة على نزواتهم وشهواتهم، الصنفان على طرفي نقيض من حيث وجود الوازع الديني عند الصنف الأول، وغياب ذلك عند الثاني.

فأما الذين ضبطهم الوازع الديني بصعوبة عن الإنسياق وراء رغباتهم الجنسية المكبوتة، فأرادوا الحجر الكامل على خروج المرأة لتجنيبهم معاناة مقاومة هذه الشهوات، فلما لم يمكنهم ذلك حرّموا مالم يحرمه الله من خروج المرأة، حتى ولو كانت محتشمة، لأن مجرد رؤيتهم لها قد يثير لديهم خيالات لمفاتن خفية، ورؤيتها في الشارع منفردة، قد تزين لهم نفوسهم المنحرفة ارتكاب الفاحشة، وعندما قال الشيخ كشك: "لاتخرج المرأة إلا ثلاث مرات: الأولى من بطن أمها والثانية الى بيت زوجها والثالثة الى القبر"، وافق كلامه هواهم، فجعلوه حكما شرعياً.

وأما الصنف الثاني الذين غلبت على نفوسهم حب الشهوات والإنسياق وراء الملذات، ولم تشكمها مخافة الله ولا ردعهم تجاوزهم لحدوده، فاستطابوا هذه القفزة، لأنها سهلت عليهم طرق الرذيلة فاستغرقوا فيها، ولم تمنعهم الأخلاق المزعومة التي يتشدقون بأنها وازع وضابط، فهي مطاطة يمكنهم أن يكيفوها لتستوعب كل الرذائل بمسميات خادعة، هؤلاء أساءوا الى أنفسهم لكنهم لم يتمكنوا من إفساد غيرهم من المعتدلين الذين يعرفون الحلال والحرام، ويضبطهم التقوى والإيمان من الإنزلاق وراء تلك المغريات رغم سهولة إتيانها.

وكان ذلك امتحانا للتقوى، فهؤلاء الذين عمر الإيمان قلوبهم نجحوا في امتحان القدرة على الصمود في وجه المغريات السهلة، فتجد الرجل والمرأة يعملان جنبا الى جنب سنوات طويلة، ولا يحدث بينهما أي تلامس مقصود، وبالطبع لا تحدث أحدهما نفسه بارتكاب الفاحشة، ليس الضابط الجدران العازلة ولا المراقبة اللصيقة، بل بما فهموه من دينهم وما تربوا عليه ورأوا ممارسة ذلك عند أبويهم وأجدادهم.

إن من يحدث نفسه بفعل الفاحشة لن يعجزه منع النساء من الخروج من البيوت، ولن يصعب الأمر عليه تغطية الوجه، بعض البلدان الإسلامية التي تتشدد في أمر لباس المرأة السواد والإختلاط، تراهم عندما يخرجون الى بلدان أوروبية يتركون كل ذلك بل ويبالغون في الملابس الفاضحة ويرتكبون كل الموبقات، مما يدل على أن الضابط هو التقاليد الإجتماعية وليس الأمر تدينا، لأن الدين ليس رداء يلبس وينزع، بل هو نفس عامرة بالإيمان لا يزعزعه الظرف ولا يغيره المكان ولا الزمان.



اعلان

إعلانك هنا