درجات الإيمان: الأمانة
بقلم: عمرو عبده
بمقالي السابق والمنشور بالأمس القريب تكلمت عن درجة من درجات الإيمان وهو "الصبر" واليوم أوضح أن "حفظ الأمانة" من درجات الإيمان وهي أمر واجب على كل مسلم وعلى كل إنسان عاقل... فما هي الأمانة؟!...
.
الأمانة تُعرّف بأنها فضيلة أخلاقية وإجتماعية ذات قيمة عظيمة في حياة الإنسان والمجتمع... وتعكس الأمانة مفهوم النزاهة والصدق في أداء الواجبات والمسؤوليات، سواءً كان ذلك على الصعيدين الشخصي والمهني...
.
في السياق الشخصي، تعبر الأمانة عن إلتزام الفرد بالقيم والمبادئ، حيث يحافظ على وعوده ويمتثل للمسؤوليات بأمانة... إن الشخص الأمين يعرف قيمة الثقة التي يمكن أن يمنحها للآخرين، وبذلك يؤسس لعلاقات مستدامة ومبنية على الاحترام والصدق...
.
تعزز الأمانة النمو الشخصي والإحترام الذاتي، حيث يشعر الشخص بالرضا والسعادة عندما يكون أميناً لنفسه وللآخرين... تسهم الأمانة في بناء الثقة بين الأفراد والمجتمعات، وبالتالي تعزز من التعاون والتفاهم...
.
ذُكرت الأمانة في القرآن في عدة آيات... منها...
.
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}
.
وقد جاء في التفاسير أن الأمانة في هذه الآية قُصد منها الطاعة لله... وقال غيرهم هي الفرائض وحدود الله... وقيل هو العقل وحرية الإختيار بين الخير والشر... إلا أن هناك تفاسير ذهبت أن الأمانة هنا هي قبول الثواب والعقاب والرضى بقضاء رب العالمين فمن يُحسن يُثاب ومن يُسيء يُعاقب...
.
ولذلك رفضتها السماوات والأرض والجبال... فهي حسبما أعتقد وربنا أعلم... أن من رفض حمل الأمانة تفضيلهم وقبولهم لرحمة الله المطلقة دونما أن يتم إخضاعهم للإختبار... وأن من حملها ورضي بتوابعها هو ذلك الإنسان الظلوم الجهول...
.
ويفهم من ذلك أيضاً أن هذا هو توجيه إلهي في أن من لا يُراعي هذه الأمانة ويحفظها سيكون ظلوم جهول... ولفظ الإنسان هنا في الآية دقيق... فهذا الإنسان يشمل الكل أي ممكن أن يكون مؤمناً أو كافراً...
.
والتوجيه أن من يعرف قدر الأمانة ومكانتها لن توجد فيه هذه الصفات السيئة... وكما هو معلوم لا يوجد آفة أشد سوءاً على البشر من الظُلم والجهل...
.
كما أود الإشارة بأن هناك موضع آخر للفظ الأمانة جاء في هذه الآيات...
.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
.
أي أن خيانة الأمانة هي خيانة الله ورسوله... وذهب بعض المفسرين أن المقصد من هذه الآية هو لجوء بعض المنافقين الذين يدعون الإسلام بإبلاغ المشركين عن أماكن وتحركات رسول الله وأصحابه... وأن معنى الأمانة في هذا الموضع هو الحفاظ على العهود والمواثيق...
.
ونأتي إلى آية أخرى فيها ذكر الأمانة...
.
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}
.
فموضع الأمانة في هذه الآية هو له علاقتها بالحُكم والحاكِم... وهي تساوي هنا العدل... أي أن العدل أمانة... والحُكم والمسئولية أمانة... وهناك حديث معروف للرسول الأكرم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين الصلاة والسلام... وهذا الحديث تكملة واضحة للآية أعلاه... قال فيه...
.
"إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"، قَالَ... كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟... قَالَ... "إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"...
.
فرب العرش وضع معنى للأمانة وهو العدل واتباع الحق... فمراعاة المسئولية أمانة... والعمل من أجل خير المحكومين أمانة... وأن الله أمرنا فرضاً بهذه الأمانة...
.
ونأتي يا أصدقائي إلى هذه الآية...
.
{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
.
وقد يظهر في هذه الآية عدة معاني للأمانة وهي المال، العهد، الوفاء، وأيضاً الشهادة بالحق... ولابد أن يعلم الجميع أن المال أمانة سواءً عن إكتسابه أو إنفاقه أو إقراضه أو حتى عند إستلافه...
.
وذُكر في الكتاب أيضاً...
.
{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
.
وفي هذه الآية أن الأمانة هي أمر يمكن أن تستودعه عند أحد ولابد من إعادتها عندما يتم طلبها كاملة غير منقوصة... وأن هذه الأمانة فرض إعادتها واجب وعدم إعادتها لصاحبها إثم كبير...
.
ومما سبق يتضح لنا الكثير من معاني الأمانة... وكيف هي أهميتها ووجوب العمل دوماً بهذه الصفة... وعدم وجودها عند أحد يجعله بعيد تماماً عن الإيمان...
.
الأمانة تمثل قيمة أخلاقية رفيعة تجسد النزاهة والصدق، سواء في العلاقات الشخصية أو البيئة المهنية... تساهم الأمانة في بناء مجتمع أكثر تآزراً واستدامة، وتعكس أهمية القيم الإنسانية في تطور البشرية...
.
الأمانة يا أحباب الله هي درجة هامة من درجات الإيمان... والواجب توافرها عند كل من يريد لقاء وجه ملك الكون ويصل لرضاه سُبحانه وتعالى...
.
الأمانة أساس المسلم... وبدونها لن يصح عمله أو تترقى عباداته... فاحرصوا على الأمانة...
.
.
حياكم الله..
