الحب من المهد الى اللحد
بقلم: جعفر عباس
طلق رجل إيراني تجاوز التسعين، زوجته بعد زواج دام 75 عاماً. معلنا أنه ليس راغباً في الزواج بأخرى، ولكن زهج وملَّ وسئم العيش مع زوجته. والتفت الى ام الجعافر وقلت لها: لو مد الله في أيامنا ودام زواجنا خمسين سنة، "كل حي يروح لحاله"، فكان ردها: خليها أربعين سنة! ورغم أن الأمر كان هذرا (هزارا) ومناكفة إلا أنني تضايقت، فقد توقعت منها أن تعاتبني وتتهمني بأنني لا أحترم وأرعى "العشرة"، وها هي تقول لي إنها لا تمانع في إنهاء خدماتي إذا دام زواجنا أربعين سنة .
كنت ذات مرة ضيفاً في منتدى في السعودية، وفاجأني أحد الحضور بسؤال عجيب: هل من الوارد أن تتزوج فوق زوجتك الحالية؟ لم أتلجلج في الإجابة عن السؤال، وقلت بكل ثبات: لن أتزوج عليها حتى لو رحلت عن الدنيا قبلي. وكنت صادقاً، لأنني أعتقد أن الزواج لا يتعلق فقط برغبات الرجل أو المرأة، بل أيضاً برغبات و"مصلحة" العيال الذين نجموا عن الزواج، طالما العلاقة الزوجية قائمة على المودة والرحمة والاحترام المتبادل، وقلت ما قلت لأنه ليس وارداً عندي أن تدخل حياتي امرأة قد تنال من أي من عيالي ولو بكلمة عابرة، أي أن أترمل وأتبهدل، أهون عندي من أن يتبهدل عيالي على يد امرأة أخرى، حتى لو كان أولئك العيال جميعاً فوق الثلاثين. (وهكذا تم سد باب الشلب)
في القاهرة نظرت محكمة الأحوال الشخصية في دعوى طلاق رفعتها سيدة في الثالثة والسبعين مطالبة بإنهاء زيجة دامت أكثر من خمسين سنة. الزوج يبلغ الثامنة والسبعين، يعني كان أكبر من زوجته بخمس سنوات، وقالت الزوجة أنه وبعد أن كبر أولادهما الثلاثة وتزوجوا ونالوا أعلى الوظائف والدرجات العلمية صارت حياتها خواء وسأماً ومللاً. وقالت إن زوجها كان لطيفاً ومحباً ثم فجأة انصرف عنها، وصار يقضي معظم يومه مع أصدقائه في المقاهي والمطاعم، وقد تمر أيام دون أن يتبادل معها كلمة. الصحف التي نقلت حكاية دعوى الطلاق هذه تفننت في وضع عناوين تستخف بالدعوى "تريد المزيد من التدليل/عجوز مازالت رومانسية"، وكأن هناك سناً معينة يستغني عندها الإنسان عن الحب والحنان
وحقيقة الأمر هي أن الإنسان يصبح أكثر حاجة إلى الحب والاهتمام كلما تقدم في السن، ويصاب كثير من الآباء والأمهات ممن تقدموا في السن بالاكتئاب ويصبحون عصبيين لأن من حولهم ينصرفون عنهم، بسبب مشاغل الحياة، أو بسبب انشغالهم بأمورهم الخاصة، بل هناك من يعتبرون الوالدين كبيري السن "عبئاً"