____________________
أن نظرية "أرسطو" عن محاكاة الشعر للطبيعة، وإلى المبدأ الذي أشتهر عن "هورس" بضرورة أن يجمع الشعر بين المتعة والفائدة، عبر كل هذه الأزمنة من القيم والفلاسفات، تشرق شمس العصر الدرويش "محمود"، لأنه عصر بمعنى العصر في الأدب والشعر، شمس يزحف موكبها الباهر المنتصر، والذي مدّ ظلالها على العصور الأُخر (السابقات والقادمات)، وحدد طبيعته الفنية ورسالته الإنسانية والتربوية، حيث الإعتدال بلا تطرف في عقلانية التنوير، ولا إسراف في العاصفة والدفع؛ الإنسجام بين جميع القوى والطاقات المترابطة في وحدة عضوية حية سواء في الطبيعة أو الفن...
"درويش" ... وبقصائده الفكرية ذات النبرة العالية، كآلهة اليونان والفنانين والمثال والحياة والنزهة والجرس، ورسائله الفلسفية والجمالية التي تأثر فيها بلفسفة "كانط" عن الجميل والجليل والواجب، كما أختلف كذلك عنه عندما أكد دور التربية الجمالية للإنسان، وخفف من حدة التعارض الذي أقامه "كونجزبرج" بين العقل والحس وبين الشعور والواجب...
"محمود" ... بينما نتوقع أن يلتقينا بالرومانسية، ويحلقنا في الخيال وغرائب الأحلام والأشواق وشطحات العاطفة، ليوحد القارئ مع الطبيعة ويغوص به في منابع التراث الأدبي والشعبي، يفأجك بفاصل أشبه بالفواصل الموسيقية بين المشاهد المسرحية والأوبرالية داخل أوردة النصوص، حالة عجبية هذا العظيم، تلتبث في أن تلتمس إنه حافظ على صرامة الشكل الكلاسيكي، وجنح إلى ذاتية الرومانسية وجموحها العاطفي المعذب، في ذات الوقت تجد بإنه لا يمكن وصفه على وجه الدقة لا بالكلاسيكية ولا بالرومانسية...
"درويش" ... هذا الشاعر وقدرة شعره على الإنقاذ من المحنة، محنة إغتراب الإنسان في هذا العالم، وإبتعاده عن القداسة، مع تعلية قيم الطهر والجمال والصفاء، حيث تؤكد ذلك أناشيده. فلم يكن من قبيل المصادفة أن في أجواء العزلة أو الإنعزال والإنحطاط الأدبي، أن يزدهر الشعر على يده، كما حدث على يد الشاعر "هوفمنستال" ...
"محمود" ... لعله أهم شاعر أثرت فيه حالة نهاية القرن التي إنعكست على قصائده، أو بالأحرى صلواته الشعرية، التي جذبت إليها القلوب بهمساتها وأسرارها الحميمة وسحرها الخاص ورثائها الدائم لعالم شعري (أصلي)، فتجلى هذا في مجموعاته المختلفة التي تشبه أن تكون متنوعات على لحن الشوق إلى الوجود الحقيقي المفعم بالمعنى والسر...
"درويش" ... لا يختلف شعره عن إستدعاء الأساطير لتصوير الأخطار المحدقة بمجتمعات منهارة وواقع مهدد، هي مقاربات لحالة أشبه بما جسدتها "كريستا" في روايتها (عن كاساندرا – أو زرقاء اليمامة الإغريقية)؛ إنها نصوص كما أنشودة إيزو...