مقدمة :
عند انشاء اول المشاريع الزراعية المروية بواسطة الادارة الاستعمارية البريطانية ،بغرض توفير القطن لمصانع النسيج في بربطانيا،مشروع الجزيرة عام (1925م) وامتداد المناقل عام (1958م) والذي تقدر مساحته بـ 2 مليون و 200 ألف فدان. واجه المشروع نقص حاد في العمالة نتيجةللزيادة المطردة للرقعة الزراعية وتنوع المحاصيل من قطن وذرة ثم اللوبيا والفلسبارا والقمح والفول السوداني ،ونفور مجتمعات المنطقة من عمليات الزراعة المجهدة وهي مجتمعات رعوية بالاساس.تم سد نقص العمالة ،بتشجيع واستقدام عمالة من اقاليم غرب السودان من كردفان ودارفور ومجموعات امتداد الحزام السوداني القديم ، من ممالك وداي وكانم وسكتو حيث كانت هذه المجموعات منتشرة بالبلاد. فهم اغلبيات من مجموعات التاما والبرقو والهوسا والمراريت والارنقا والفور والزغاوة وغيرهم من المجموعات وبعدها استمرت هجرات مجموعات العمال لمشروع الجزيرة ،وبقية المشاريع الزراعية الاخري كمشاريع ، حلفا الجديدة(1963م) والرهد الزراعي(1977م ) والسوكي الزراعي(1970) بسبب توفر فرص العمل ، وغياب مشاريع التنمية في اقاليمهم ،وموجات الجفاف التي ضربت تلك الاقاليم.
فواجهت هذه المجموعات واقع لا انساني قاهر ،يتعلق بسكن الكنابي الا انساني وغياب الخدمات من مياه شرب صحية وكهرباء ومدارس ومرافق صحية ،اشكال وشروط العمل غير العادلة ، وحق المواطنة المنتقص بخطاب التغريب والدمغ بالاجنبية الذي تعرض له البعض ،واهمال الحكومات لوضعيتهم اللا انسانية ،وغياب قضيتهم عن العقل السياسي المسيطر ، داخل برامج الاحزاب السياسية.
،فسكنوا في أطراف القرى وحول قنوات الري من الكنارات و الترع، وفي البراقين ، وحول مصارف المياه باللقلد، فأصبحوا يقومون بأساس العملية الإنتاجية من بداية الزراعة ونظافة الحشائش وعمليات الحصاد.
العمال الزراعيون فئة لا تملك أرض زراعية تعمل في الأراضي الزراعية المملكة ملك منفعة من الدولة لفئة المزارعون ، حيث يعمل العمال الزراعيون بنظامي (الشراكة أو الإيجار) في علاقة مع الطرف الأخر وهو المزارع. فالشراكة والإيجار هي علاقة العمل الأرسخ مع وجود علاقات بالعمل بأجر مثل اليومية والقوال في سوق العمل الزراعي بالمشروع.
ففي نظام الشراكة:
يقوم العمال الزراعيون بكل العماليات الفلاحية للأرض من زراعة ونظافة حشائش وحصاد ومن ثم يقومون بقسمة المحصود الإنتاجي بالنصف أو الثلث مع المزراع مع العلم بتقاسم العمال الزراعيون والمزارعون تكلفة تحضر الأرض والضرائب المفروضة من الدولة.
أما نظام الإيجار:
ففيه يقوم العمال الزراعيون بتأجير الأرض من المزارع لموسم زراعي واحد وللعامل الزراعي حق الانتفاع بكامل محصول الموسم.
يغيب العمال الزراعيون عن العلاقات الإدارية والقانونية الموجودة بين الأطراف التي تدير المشروع (الحكومة – إدارة مشروع الجزيرة – المزارعون). لذلك لا يأتيهم عائد من ارباح المشروع في شكل خدمات او غيره ، كما لاتوجد صيغ قانونية تلزم إدارات المشروع بواجباتها تجاههم ، من ارشاد وتوعية زراعية ، وهذه الوضعية حرمتهم من صيغ التمويل من البنوك كالبنك الزراعي وبنك المزارع ، وايضا غير ممثلين في مجلس الادارة للمشروع . هذا مقارنة مع فئة المزارعون الفئة المنتظمة ، ذات الربط الاداري والقانوني ،والتي لها جسمها النقابي ، ولها امكانية تمويل بنكي ، ولها حق علي ادارات المشروع.
أغلب العمال الزراعيون يسكنون – الكنابي- وهي عبارة عن مساكن على أطراف قنوات الري (الكنارات – الترع) أو حول مصارف المياه في اللقد والبراقين وفي أطراف القرى. فالكنابي تكون على مساحات ضيقة جداً وأماكنها لا تصلح لأن يكون بها سكن لائق مستقر.
تعاني الكنابي من غياب مصادر مياه الشرب الصحية فلا توجد صهاريج للمياه ولا توجد مراكز صحية للعلاج ولا مدارس للتعليم.
على الصعيد الاجتماعي تعاني مجتمعات العمال الزراعيون في الكنابي من العزلة الاجتماعية، فنتيجة لكثرة النزاعات الفردية والجماعية حول اراضي السكن والخدمات والاستفزازات العنصرية تحدث صدامات بعضها دامي ، مع مجتمعات المزارعين ،من عرب الجزيرة ،كأحداث قري وادي شعير ، محمد زين وودحلام ،وغيرها من الاحداث الفردية المؤسفة ، طوال فترات عمر المشروع.
تعاني مجتمعات الكنابي من تدني نسب التعليم فالواقع الاجتماعي الاقتصادي الضاغط ،الذي يجعل من جميع افراد الاسرة تكدح لتوفير متطلبات الحياة احد اهم الاسباب التي تعوق ابناء عمال الكنابي من مواصلة تعليمهم وتكملته الي الجامعي ،اضافة الي بعض المفاهيم الثقافية التي تقلل من اهمية التعليم المدرسي .لذلك تجد عشرات الكنابي ، لا يوجد خريجين من جامعات.
، وغياب الوعي الصحي مثل كيفية التعامل السليم مع الأسمدة والمبيدات المنتشرة في المشروع. ادي الي انتشار امراض السرطانات ، والفشل الكلوي ،فزادت نسب تردد مجتمعات العمال علي مستشفي الذرة والمستشفي الصيني بود مدني.
تقدر عدد الكنابي باكثر من ـ 1400 كنبو يقطنها ما يقارب مليوني نسمة ، بمشروع الجزيرة وامتداد المناقل هذا غير عدد الكنابي ونسبة سكانها ببقية المشاريع الزراعية المروية الاخري ،كمشروع السوكي -الرهد- وحلفا الزراعي
الوضع الاقتصادي لمجتمعات العمال الزراعيين تدهور مع تدهور المشاريع الزراعية ، فغلاء عملية الايجار (الدوقنتي) للارض الزراعية وعدم جدوي عملية (الشراكة) ,وتدني اجرة القوال واليوميات فاصبح العائد من هذه العمليات لا يلبي طموح الاجيال الجديدة من ابناء العمال الزراعيين التي تسعي لواقع افضل ، فاختار الشباب الهجرة خارج البلاد ، والبعض توجه الي مناطق التعدين الاهلي للذهب ، وآخرون اصبحوا رصيد للعمالة الهامشية في المدن. مما ترتب علي هذا التحول واقع جديد ، جعل أعباء العملية الزراعية تقع علي عاتق كبار السن والمرأة والاطفال الطلاب ، هذا الواقع قلل من فرص مواصلة الطلاب لتعليمهم ، وهي مجتمعات اساسا تعاني من تدني نسب التعليم وخاصة تعليم البنات.
بالرغم من هذا الواقع القاهر ، الا ان مجتمعات العمال الزراعيين اثبتت انها مجتمعات ،قوية الارادة ، واجهت واقع الاقصاء بقوة ، واخططت لنفسها مسار تتطور خارج سياق دعم الدولة. وفي السنوات الاخيرة ، خاضت كفاح نيل حقوقها ،
وبدأت في معالجة قضايا السكن والخدمات عبر الجهد الذاتي ،حيث استطاع البعض شراء اراضي سكنية بحر مالهم ، وحولوها الي قري ،واخرين حولوا كنابيهم التي علي اطراف القري الي احياء تتبع لتلك القري. او لقري منفصلة ، والاكثرية مازالت في البحث عن حلول لوضعية كنابيهم.
في العام 2005 كان هنالك برنامج لحكومة ولاية الجزيرة لمعالجة قضية سكن الكنابي ، يعرف بمشروع السكن الاضطراري ،كانت خطته ان يبدأ بمحلية الحصاحيصا فتم فتح مكاتب بوحداتها الادارية ،وتم تحصيل رسوم استمارات من مواطني الكنابي فدفعوا ملايين الجنيهات ، لكن المشروع توقف واغلقت مكاتبه وضاعت اموال مواطني الكنابي التي دفعت.
اول مبادرات الاجسام المنظمة هي ل تنظيم مؤتمر الكنابي الذي تم تأسيسه بالقاهرة في مارس 2013 ، وصاغ اعضاءه بالداخل مذكرة احتجاج تطالب بانصاف مواطني الكنابي ، ذيلت بنسخة الي رئاسة الجمهورية ووالي الجزيرة ومعتمدي المحليات بالجزيرة.
وثاني المبادرات ل مبادرة مجتمعات العمال الزراعيون للحقوق والتنمية (CIALRD ) فبراير 2016
بهدف طرح القضية لتضمن كاحدي القضايا الوطنية ،واجراء دراسات لقضايا العمال الزراعيين وبناء قدرات الشباب للمساهمة في تنمية مجتمعاتهم.
آفاق الحلول لقضايا العمال الزراعيين
تبدأ ،بالمعرفة الحقيقية للواقع وتعقيداته ،والتغيرات الديمغرافية التي تمت بمناطق المشاريع الزراعية المروية والتركيبة السكانية الجديدة ، الماثلة الآن ، وكيفية انصاف العمال الزراعيين ،وتحقيق التعايش المستدام بين المكونات المتواجدة في هذه المشاريع. وادراك اهمية البحوث والدراسات في التخطيط للمستقبل ،.
ودعم مبادرات مجتمعات العمال الزراعيين.
وتجدر الاهمية لضرورة افق سياسي يتجذر فيه مفهوم المواطنه ، ويكون التخطيط التنموي اولي اهتماماته. خصوصا واقع الفئات الريفية غير المنتظمة ، كفئات العمال الزراعيين.
لأن واقع قضايا العمال الزراعيين معقد ،متراكم ومهمل تاريخيا فالحلول والمعالجات ليست بالامر الساهل ، فهي تحتاج لنهج جديد من تكثيف الضغط علي الحكومة ، وان تدير مجتمعات عمال الكنابي ومجتمعات المزارعيين حوارات جادة ، لرفع سقف مشتركاتها والعمل لتغيير واقع الانقسام هذا.
فمثلا هناك مقترحات لمعالجة قضية السكن للكنابي تتمثل في
-استمرار جهود المعالجات التي انتظمت في بعض الكنابي ، والتي تتم عبر شراء اراضي عبر الجهد الذاتي ،ويتم تحويلها الي قري ، وتوجد نمازج كثيرة تمت بهذه الطريقة ، علي الرغم من ان بعضها واجه عقبات كبيرة تتعلق بتعنت بعض الجهات الرسمية والاهلية.
- مقترح ان يتم اقتطاع جزء من اراضي المشروع الزراعي ، وتحويلها الي قري لمواطني الكنابي لمعالجة وضعية السكن غير الانسانية هذه ، وان يتم ذلك بعد دراسات دقيقة تعالج كل الاثار المترتبة لهذا الخيار وبصورة عادلة.
او اي مقترح آخر يساعد في عملية معالجة قضية السكن.
اما قضية علاقات العمل من قوال ، وشراكة وايجار ، فاجتراح شكل صناديق تعاونية يساعد الاسر في عملية تمويل الشراكة او الايجار ، او اي تجمع منظم يتيح التعامل بشكل رسمي لكيفيات التمويل.
فمقترح ان يكون للعمال الزراعيين علاقة ربط اداري وقانوني مع ادارات المشروع الزراعي ، لتنظيم عملية الحقوق فهي مسألة صعبة ، لان العمال الزراعيين هم فعليا فئة غير منتظمة وغائبة عن العلاقات الادارية بين فئات المشروع (مزارعين - ادارات المشروع - الحكومة)
لكن مقترح ان يكون للعمال الزراعيين نصيب من سياسات ما بعد تغيير الوضع القائم الآن ، فبالامكان ان يتم تحويل جزء من العمال الزراعيين الي مزارعين بانشاء مشاريع جديدة ، او امتداد للمشاريع الحالية. وجزء اخر يتم استيعابة في المشاريع المرتبطة بعملية تحديث القطاع الزراعي بالسودان. وهذا ما اعنيه بتحقيق الافق السياسي والتنموي الجديد.
- وفي مجابهة مفهوم التغريب ، المستخدم للانتقاص من حق المواطنة لبعض المجتمعات ، فهذا يستوجب التصدي له بخطاب جديد ، لخلق وعي متجذر بمفهوم المواطنة ، وتقوية هذه المجتمعات عبر شبابها ومبادراته.(مؤتمر الكنابي ومبادرة مجتمعات العمال الزراعيين للحقوق والتنمية) .
واشجع ، ايضا دخول الفاعلين من مجتمعات العمال الزراعيين ، لتعزيز مسألة المشاركة السياسية ، وبحث الطرق والكيفية التي تضمن وجودهم البنيوي داخل قوي بناء الدولة السودانية بأسس عادلة.
فالتحليل والمقترحات الواردة في هذه الورقة ، هي اضاءات حول وضعية العمال الزراعيين بالمشاريع الزراعية المروية ، تحتاج لكثير من التحاور ، للوصول الي رؤي وبرامج منصفة ، تعالج الاشكالات وتضع اساس للاستقرار.
قرارات مؤتمر (معيجنة) وقضايا العمال الزراعيين و سكان الكنابي
محمد علي مهلة
تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل،تم تأسيسه في العام 2003، لمناهضة سياسات وقوانين حكومة الانقاذ، التي واصلت في تدمير المشروع وتفكيكه، هذا التحالف يمثل امتداد لنضال حركة المزارعين ويجد الدعم من القوي السياسية المعارضة في السودان.
التقيت ببعض اعضائه ودارت بيننا حوارات تعلمت منها، وعرفت الكثير عن المشروع فئاته واشكلالاتها، بصفتي عامل زراعي،انتمي لمجتمعات العمال الزرعيين سكان الكنابي ،وباحث عن سبل انصافهم. منهم الأستاذ حسبو محمد ابراهيم ، و الدكتور محمد يوسف احمد المصطفي ، فلهما مني عظيم الشكر الامتنان
القرارات التي صدر في مؤتمر (معيجنة) لتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل في (يوم الارض)، 21 أكتوبر 2017، تعتبر تاريخية بكل المقاييس، خصوصا تلك التي تتعلق بالعمال الزراعيبن مجتمعات (سكان الكنابي)، وبدون شك هي بداية لتغيير النهج القديم، والذي كانت تصوراته، غير شاملة ودائما ما تتجاوز، اكبر (الفئات) التي تعمل، داخل علاقات العمل بالمشروع وهي مجتمعات العمال الزراعيين والتي تلعب الدور الاساسي في العملية الانتاجية.
ولكن قبل مناقشة القرارين ،لابد من ،معرفة طبيعة النشاط الزراعي بالمشروع ، وعلاقات الانتاج بين اطراف العملية الإنتاجية وتطورها، وتعقيدات العلائق بين الفئات المؤسسة المنتظمة، كفئات المزارعين وعمال مؤسسات المشروع، وبين العمال الزراعيين كمجموعات وفئات غير منتظمة في تلك المؤسسة، ومدي تأثيرهذه الوضعية، في عملية تنفيذ بعض القرارات كتنظيم وإنصاف العمال الزراعيين سكان الكنابي بوصفهم قوى نوعية مهمشة كما وصفها القرار.
القرارات التي وردت في مؤتمر تحالف المزارعين هي :
ستعادة كيان اتحاد مزارعي الجزيرة و المناقل والشروع الفوري في تنفيذ هذا القرار بموجب الحيثيات المصاحبة له.صياغة علاقات إنتاج جديدة تراعي مصالح المزارعين و العمال الزراعيين و العاملين بالمشروع .إعادة فتح ملف مؤسسة مزارعي الجزيرة و المناقل التعاونية المحدودة (قوز كبرو) امام القضاء.رفض رسوم المياه الجديدة و الاكتفاء فقط برسوم الموسم الماضي.مشروع قرار بإنشاء صندوق التمويل الزراعي التعاوني للخروج من مصيدة تمويل البنوك التجارية المستهدفة لنزع الارض.مشروع قرار الاصلاح المؤسسي في مشروع الجزيرة (خارطة طريق) للمشروع الذي يريده المزارعين.مشروع قرار تنظيم و إنصاف العمال الزراعيين (سكان الكنابي) بوصفهم قوى نوعية مهملة و مهمشة و مظلومة .التوقيع علي وثيقة الارض .
سأركز هنا في مناقشة القرارين المتعلقين ،بصياغة علاقات انتاج جديدة بين فئات المشروع ، وتنظيم عمال الكنابي
القرار الاول :-
قرار صياغة علاقات انتاج جديدة، تراعي مصالح المزارعين والعمال الزراعيين، والعاملين بالمشروع.
معلوم إن مشروع الجزيرة انشأته الإدارة الاستعمارية البريطانية 1925م، وفقا لمصلحتها، ليوفر خام القطن لمصانعها، فهو لم ينشأ وفق رؤية وطنية سودانية، والنشاط الزراعي فيه نشاط أسري، حيث يشارك جميع افراد الاسرة في العمل، لذلك الفئوية هنا ليست فردية، بل اقرب الي الجماعية، و يمكن وصفها فئوية مجتمعات، ويتضح ذلك اذا نظرنا للواقع فنجده، مقسم لمجتمعات كبيرة للمزارعين واخري للعمال المزراعين، ففي البدء تم تقسيم أراضي المشروع علي مجتمعات المنطقة (المجتمعات المتواجدة من عرب الجزيرة) وقلة من مجتمعات أخرى متواجدة لحظة التقسيم، تم تمليكهم الارض الزراعية ملكية منفعة، وبذلك اصبحوا هم فئة المزارعين، وعندما ظهر النقص الحاد للعمالة في المشروع تم تشجيع وإستقدام عمالة من مجموعات امتداد الحزام السوداني ومجموعات من اقاليم غرب السودان كمجموعات الهوسا والفولان ، كإحتياطي عمالة (الطلب) بالمشروع وتم تسكينهم بالقرب من مجتمعات المزارعين، ومجموعات البرقو والتامة والمراريت والارنقا والزغاوة والفور وغيرهم من المجموعات، والتي استمرت هجراتها فيما بعد لتكون المجموعة الأكبر من العمال الزراعيين سكان الكنابي، وهؤلاء إضافة الي تواجدهم الفئوي، تتعقد وضعيتهم السكنية والخدمية والحقوقية.
فهذا القرار يتحدث عن ثلاثة فئات، اثنان منهما فئات مضبوطة ومنتظمة في مؤسسات وهما المزارعون وهم رقم مضبوط ومسجل معروف العدد135 ألف مزارع. وعمال المشروع ايضاً فئة منتظمة في مؤسسات تتبع لإدارات المشروع المختلفة اذا كانوا موظفين في إدارات المشروع أو المؤسسات التابعة لها (البحوث وادارة الحفريات) أو في المكاتب والتفاتيش.
اما الفئة الثالثة هي مجتمعات العمال الزراعيين وهي غير منتظمة بشكل مؤسسي ولا تظهر في العلاقات الإدارية والقانونية التي تكون بين بين المزارع وإدارة المشروع والحكومة، وهي فئه غير معروفة العدد كفئات فردية، ولتتضح هذه النقطة، لابد من توضيح علاقات العمل التي يتم بها تحديد الفرد او المجموعة كعمال زراعيين.
فنجد إن ملكية الأرض (ملكية منفعة) هي لفئة المزارعين، وأن العمال الزراعيين يدخلون في علاقات عمل مع المزارعون بالاتي :
العمل المأجور (القوال واليومية)، فيه يقوم العامل بإنجاز، العملية الزراعية، مثل (الحش)، واللقيط وغيره بأجرمعلوم.الشراكة وفيها يقوم العامل الزراعي بكل العمليات الفلاحية، من زراعة ونظافة حشائش، وحصاد ومن ثم يقوم بقسمة المحصود بالنصف أو الثلث مع المزارع مالك الحواشة مع تقاسم تكاليف حراثة الارض وضريبة المياه.الإيجار(الدوقنتي)، وفيه يقوم العامل الزراعي بتأجير الأرض الزراعية من المزارع لموسم واحد، وله كامل محصود هذا الموسم.
صياغة علاقات إنتاج جديدة، تراعي مجموع مصالح المزراعين وعمال مؤسسات المشروع والعمال الزراعيبن، هي في تقديري ترتبط بمشروع سياسي وتنموي جديد بديل للنظام الحالي وسياساته المدمرة .
فاذا كانت صياغة علاقات إنتاج تتعلق برفع نسبة المزارعين من صافي الارباح، أو نسبتهم في الإدارة، أو شراكتهم في العمليات، التسويقية للمحاصيل، أو تغيير صيغ التمويل وغيرها من السياسات، فهي ممكنة في حالة تحقيق واقع سياسي جديد ينصف مجموعة المزارعين، لكنها لن تدخل العمال الزراعيبن في علاقة انتاج عادلة، طالما هم عمال، لا يملكون الارض الزراعية وغير منتظمين بصورة رسمية ولا يوجد الربط الإداري والقانوني بينهم وإدارات المشروع، لان ربط المزارعين يتم بملكيتهم للأرض وهذا لا يتوفر للعمال الزراعيين، فعدم ملكية العمال للارض الزراعية، وغياب الشكل المنتظم إداريا وقانونيا، هو الذي يمنعهم من أن يكونوا شركاء في علاقات انتاج عادلة.
ففي أرض الواقع تنتهي علاقة العمال الزراعيين عند المزارع ولا تتعداه، وهذا ما جعل العمال الزراعيين لا يآتيهم أي عائد من أرباح هم اساس عمليتها الإنتاجية، كما ان ادارات المشروع لا تعتبر نفسها لديها واجب علي العامل الزراعي، حتي أبسط الاشياء، مثل الارشاد الزراعي، والتوعية باثار المبيدات التي يستخدمها العامل الزراعي .
واجبنا هو البحث عن طرق جديدة لإنصاف العمال الزراعيين،وان يتم ذلك بالتفكير والعمل استراتيجيا في الاطار الكلي عند التخطيط للنهضة الزراعية بكل السودان
القرار الثاني : –
قرار مشروع، تنظيم وإنصاف العمال الزراعيين (سكان الكنابي) بوصفهم قوي نوعية مهملة ومهمشة ومظلومة .
عنوان القرار وحده يلخص وضعية هؤلاء العمال الزراعيين
فكما ذكرت، فان عمال الكنابي يمثلون الفئة العمالية الاكبر ، وفقا لاشكال العمل المذكورة آنفا ، من
(العمل مأجورالايجار – الشراكة)، مع العلم ان هنالك نسبة اقل لعمال زراعيون من القري، ومن مجتمعات المزاعين نفسها، فعمال الكنابي إضافة إلى علاقات الإنتاج غير العادلة التي يواجهونها، وغياب الشكل المنتظم والربط الإداري والقانوني بإدارات المشروع، فانهم يواجهون اشكال أخرى من الظلم لازمتهم طوال تاريخ تواجدهم الذي تجاوز نصف قرن، لآحدث كنابيهم. وتتمثل القضايا الاخري في الآتي :
أ- قضية السكن بالكمبو
الكنابي، هي أماكن سكن العمال الزراعيين، لكنها غير صالحة للسكن المستقر القابل للإمداد بالخدمات،
لمساحاتها الضيقة جدا ،وتتواجدها علي أطراف قنوات الري (الترع والكنارات)، و حول تجمعات ومصارف المياه (اللقد والبراقين)، وعلي أطراف القري، فالكنابي بلا مدارس او مراكز صحية، وبلا شبكة مياه شرب، وفقا لهذا الواقع تكون قضية السكن والخدمات قضية رئيسة، في عملية رفع الظلم عن العمال الزراعيين، فكثير من الكنابي بهذه الوضعية اكثر من نصف قرن، فعدد الكنابي بالمشروع يفوق ال 1400 كمبو.
ب – قضية حق المواطنة المنتقص
تتعرض بعض مجموعات مجتمعات عمال الكنابي، الي خطاب تغريب، بغرض إقصاؤهم وحرمانهم من حقوقهم، وقمعهم بدمغهم بالاجنبية عند بروز اي خطاب حقوقي بينهم، وهذا المفهوم المناقض لمفهوم المواطنة، يحتاج الي تصدي، وتغيير لانه خطاب عنصري لا يتسق مع دولة المواطنة، فمن حق هذه المجتمعات، أن تسكن سكن لائق، ممدود بالخدمات، ومن حقها أن تطالب الدولة بكل حقوقها، بما فيها امتلاك وسيلة انتاج، وفق مفهوم المواطنة الكاملة.
ج – الاهمال التاريخي للحكومات التي تعاقبت علي حكم السودان، تبعه خروج لمجتمعات العمال الزراعيين وقضاياهم من العقل السياسي للأحزاب السوانية، مما وضعهم هذا الاهمال خارج دائرة المشاركة السياسية.
فعلاقات الانتاج، والسكن والخدمات، وحق المواطنة هي القضايا التي يحتاج العمال الزراعيين فيها إلى إنصاف.
اما قضية تنظيم العمال الزراعيبن بالكنابي، تحتاج إلى الكثير، لأنهم اساسا يعملون كقطاع غير منتظم،
لذلك اذا، تقرر تنظيمهم، في جسم فئوي كاتحاد العمال الزراعيين مثلا. فهو يحتاج لشكل جديد ، غير شكل تنظيم المزارعين، بامكانه ان يبدأ مناطقيا، أو أي شكل أخر يناسب وضعية القطاع غير المنتظم.
أقترح أن تقوم قوي التغيير(الاحزاب المعارضة بتجمعاتها المختلفة)، اضافة إلى مبادرة المجتمع المدني وتحالف المزارعين ، بتأسيس جسم للعمال الزراعيين، معني بتقديم أوراق عمل ومشروع يتضمن برامج إنصاف العمال الزراعيين وقضاياهم
وفي الختام
هنالك مبادرات لمجتمعات العمال الزراعيين، للمطالبة بالحقوق والتنمية، تعمل وفق طبيعة أهدافها،
لكن ذلك لا يكفي، فلابد من مشاركة واضحة للجميع فهي قضية وطنية وإنسانية ،تحتاج جهود جميع المؤمنين بعدالتها.
ولابد من تحية تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، علي هذه القرارات، فالافق الذي يضمن حقوق العمال الزراعيين هو المحفذ لانخراطهم، في مناهضة سياسات تدمير المشروع، بل المشاركة في رسم السياسات المستقلية، والمشاركة مثلا في تفعيل قرار رفض دفع الزيادة في رسوم الضريبة بتنسيق كامل مع المزارعين
فبامكان هذا التحول ان يكون بداية، لعملية تغيير، في إتجاه بناء قوي المنتجين بالقطاع الزراعي في البلاد.
فالسودان بلد نهضته في الزراعة، والاهتمام بها، ودخولها في قلب السياسات التنموية، يعني نهضته ، وبامكان هذه الخطوة أن تحدث تحرك في بقية المشاريع المروية الأخرى التي تتشابه اشكالات فئاتها، كالرهد والسوكي وحلفا الجديدة، وبقية مشاريع القطاع المطري التقليدي غير المحدث.