#الهامشوالمركزروءيةنقديةوإضافات_جديدة.
.
(١)
سؤال استدراجي: لماذا فشلت المعارضة في إسقاط النظام حتى الان؟
و أجيب:
لأربعة أسباب
١- قبضة النظام الأمنية الباطشة .
٢- المليشيات المرتزقة ( الجنجويد)
٣- خدم النظام من إدارات أهلية و شغيلة
٤- المعارضة المتواطئة
في الإجابة رقم (٤) يكمن سر المركز و الهامش.
ان يكون المرء عضواً في النظام ، فهذا مفهوم.
ان يكون مرتزقاً، فهو سلوك معلوم. لكن المرتزق ليس صاحب سلطة و لا جزء منه. المرتزق مجرد عبد خادم. فالجنجويد عبيد.
نعم عبيد. من سخرية الأقدار، هم ينظرون الى اخرين كعبيد ، فإذا بنا نجدهم قد وضعوا انفسهم هم في خانة المعنى الحقيقي لكلمة عبد.
كذلك، ان يكون الشخص انتهازياً يبحث عن مصالح ضيقة ، فهو ايضاً سلوك متوقع و معلوم في التاريخ.
و الانتهازي ليس صاحب سلطة ايضاً. قد يتحول الانتهازي الى عبد خادم ، و قد يكتفي بان يظل انتهازي مهادن. فرجل الادارة خادم انتهازي للنظام ، و الشغيلة ( جيش و بوليس و أمن ) هم خدم مستخدمون بسبب الحاجة او بحماس الأيديولوجيا.
و كلهم ليسوا سلطة ، و ليسوا معارضة.
لكن ان يكون الشخص معارضاً بينما قلبه مع النظام
فهذا ما سنبحث عنه ، لانه يمثل مصدر من المصادر غير المتوقعة لقوة النظام. و لانه يفك طلسم المركز و الهامش.
و نسال سؤال اخر
هل النظام معزول داخلياً؟
و أجيب : لا، ليس تماماً.
لماذا؟
اذا وجدنا اجابة لسوءال حول : ما الذي جعل من كانوا خصوم حقيقيين للنظام من أمثال الميرغني و المهدي يباركان بقاء البشير و نظامه فسوف ندرك ان النظام غير معزول مثلما نتصور، و اكثر من ذلك، سوف ندرك ان طبيعة ( المركز الجغرافي الاجتماعي الثقافي) هو السر وراء هذا التحول.
لا تقولوا لي المصالح الشخصية. فالميرغني و المهدي ان أرادا اموالاً للتهادن مع النظام لكانا قد حصلا عليها من النظام في تسعينيات القرن الماضي. لكنهما عادا الى دفئ النظام حتى من غير رشاوي شخصية بعد قيام ثورات الهامش في بداية الألفية. المكافآت الشخصية جاءت بعد ذلك ، لكنها ليست السبب الاول للعودة.
و لو وجدنا اجابة على سؤال حول: ما الذي جعل خصوم أشداء للنظا يتحولون الى محايدين تجاه النظام من أمثال العمالقة المراحيم: الطيب صالح ، وردي و حتى حميد. سوف نصل الى طبيعة المركز.
لو استخدمنا معيارية النماذج السابقة جيداً لأدركنا السر الذي جعل حزب مسالم مثل حزب الموتمر السوداني يصير اكثر شراسةً في مواجهة النظام من احزاب عرف عنها سابقاً الشراسة بل حتى العنف في منازلة النظام مثل الحزب الشيوعي و حرب البعث.
و لتبدى لنا ان الطبيعة التي نعنيها للمركز و مدى تأثيرها على هذا الشخص او ذاك هي السر في هذا التمايز.
لم أتطرق لحزب الشعبي ، لان خلاف قيادته ( و ليس قاعدته) مع النظام لم يكن خلافاً حقيقياً بل خصومة عابرة .
(٢)
تفكيك السر:
النظام يستميل المعارضين ( أفراد و احزاب) بحديث عنصري غير معلن ، و بعمل فعلي علني على الارض ، مؤداهما ان هناك شريحة من الشعب في او من بقاع محددة في السودان هم محل اهتمامها. و قد استجابت أعداد كبيرة من تلك الشرائح المرتجاة بالاستمالة الحكومية ، استجابت لهذا الاتجاه الحكومي. نعم استجابت سراً و ضمناً او علناً، فحدث الخذلان.
هذه الشرائح أظنها اتضحت من العينات التي ضربنا بها الأمثلة.
انه شريحة مثلث حمدي الجغرافي.
و أسألكم: لماذا يقوم النظام بترتيب زيارات ميدانية لمشاريع في الشمال ( سد مروي و مشاريع زراعية هناك) لشخصيات معينة من التي تصالحت مع النظام او أخذت موقف المهادن مثل الطيب صالح و وردي ، بينما لم تفعل ذلك مع فاروق احمد ادم و الحاج ادم يوسف؟
أوليست هي الرشوة الخدمية الجهوية؟
لكن
Don't get me wrong
على مهلك، لا تستعجل الحكم
هناك معادلة للتفريق بين : كون المركز - حسب توصيفي انا- هو حصيلة تكتل ثقافي عرقي جغرافي، و بين ان ذلك لا يشمل كل من ينتمي الى نفس المكونات الثلاثة المشار اليها ( الكتلات الثلاث ).
وسف نوضح هذا.
و لكن دعوني قبل ذلك أعرج على فذلكة مفاهيمية لمصطلح المركز و الهامش.
(٣)
أتكاءة:
طبعاً تقسيم المركز و الهامش تقسيم قديم منذ القرن التاسع عشر .و ظهر اول ما ظهر في أوربا . حيث قسم مصمموا هذا التقسيم العالم الى عالم رأسمالي مهيمن او يسعى نحن الهيمنة و اخر مهيمن عليه او مستهدف بالهيمنة . لكنه يبقى تقسيماً جديداً بالمقارنة مع التقسيم الطبقي الاقتصادي و الاستعلاء الاجتماعي العرقي و الثقافي . فعندما تم نحت هذا التوصيف الجغرافي الاجتماعي الاقتصادي للهامش و المركز ، كان التوصي للاستعلاء الطبقي الثقافي الاجتماعي و الاقتصادي قائماً منذ أمد بعيد.
لكن نحات المركز و الهامش لم يكتفوا بذلك التوصيف القديم.
و لذا فان توصيف ما يجري في السودان بانه تهميش ثقافي ، هذا تقسيم قديم قدم التاريخ.
اما الجديد في هذا التقسيم العالمي للمركز و الهامش هو انه أضاف اليه ايضاً البعدالموضعي (الجغرافي ).
اما التقسيمات القديمة هي تقسيمات وضعية و ليست موضعية.
و عندما حاول المنظرون السودانيون ان يقوموا بإسقاط او إنزال منهج غرامشي ( التحليل الثقافي) غير الموضعي على ذلك التقسيم الذي يشمل البعد الموضعي ( الموجود في السودان) حدث التشويش و اختفى المركز بين غبار هذا التشويش.
فالفيلسوف الايطالي غرامشي وهو يؤسس لمفهوم "الهيمنة على الثقافة كوسيلة للابقاء على الحكم في مجتمع رأسمالي"
كان يشير الى ثقافة الرأسمال الإمبريالي، و الثقافة هي حالة ( وضع ) و ليس موضع.
لكن الذي يحدث في السودان هو اجتماع الوضع و الموضع معاً.
و لذلك عندما اتكأ كل من الدكتور ابكر ادم اسماعيل ( جدلية المركز و الهامش) و الدكتور محمد جلال هاشم ( منهج التحليل الثقافي- جدلية المركز و الهامش).
على منهج غرامشي غابت عنهم زاويتا التهميش الموضعي و الاجتماعي.
و الدليل هو ان من نحتوا مصطلح المركز و الهامش آخذين البعد الجغرافي في المعادلة، قد استطاعوا ان يرسموا ذلك المركز و الهامش في شكل خريطة.
بينما لا يستطيع منظرونا الذين اكتفوا بالتحليل الثقافي و أهملوا البعد الجغرافي و العرقي و الاقتصادي ان يرسموه.
الأشكال الاخرى للظلم يا سيداتي و سادتي
يمكن ان نسميها بأسماء اخرى : ظلم ، تحيز ، اضطهاد ... ، اي شيء.
على ان نترك مصطلح التهميش و الهامش ليستاثر به حصرياً المهمشون جغرافياً و اقتصادياً.
لان كلمة هامش نفسها ظرف مكان، فلا يمكن ابعاد العامل ( الموضعي) الجغرافي عنه.
و ليتحالف بعد ذلك
المهمشون
و المظلومون سياسياً
و المتحيز ضدهم جندرياً
و المتحيز ضدهم دينياً
و المتحيز ضدهم بسبب اي شيء
في تحالف نسميه " تحالف المهمشين و المظلومين" او "تحالف المهمشين و المضطهدين".
لكن اذا أطلقنا على كل هذه الأصناف لفظ (المهمشين) فان الدعاوى سوف تختلط و يصعب علاج كل دعوى وفق آلياتها المناسبة.
و بهذا التقسيم المنصف، فانه حتى المنتمين الى مناطق الهامش من الذين يعيشون داخل مثلث المركز لا ينطبق عليهم وصف المهمشين ، لان التهميش موضعي ( خدمات عامة) ، و هم يتقاسمون تلك الخدمات العامة مع غيرهم هناك داخل المثلث . لكنهم يدخلون ضمن الأصناف الاخرى ، مثلهم مثل كل الرافضين للنظام من كل بقاع السودان( مظلومين ، مضطهدين ... الخ).
وجود شرائح علوية في المجتمعات المهمشة نفسها ( كالادارات الأهلية ) لا يصنفها كمراكز لهوامش، نظراً لعدم وجود الفواصل و التمايزات الجغرافية بينها و بين مروءسيها . و لذلك فهي تبقى مجرد طبقات علوية محلية ، فقائد الخدم هو طبقة تعلو بقية الخدم و ليس مركز جانبي لهامش.
اذن ، نستطيع ان نرسم لوحة او خريطة المركز و الهامش في السودان ، و ذلك على النحو التالي:
معادلة التهميش في السودان هي مثلث ذي ثلاث شعب: او ثلاثة أضلاع او ثلاث زوايا.
السلطة كوضع + الثقافة و الاجتماع كوضع + الجغرافيا كموضع = أنتجت لنا مركز هو مثلث حمدي الاسلاموعروبي. حيث ان مثلث حمدي جغرافيا( موضع) + الاسلام و العروبية ( وضع ثقافي) و العروبة و القبيلة ( وضع اجتماعي) + السلطة ( كوضع) = المركز.
(٤)
نعود الان لنوضح كيف ان المركز و رغم هذا التوصيف ، الا انه لا يملك التفويض من أهل المثلث. لكنه بالتأكيد يملك منهم التأييد الكثير ، و شتان بين التأييد و التفويض، فالتفويض يفضي الى تمثيل بينما الحقيقة ان هؤلاء المنحازبن للمثلث لا يمثلونه.
السلطة هي الضلع القاعدي لمثلث المركز ، لكنه ليس كل المركز. المركز هو مثلث حمدي ، السلطة تنحاز الى المثلث . و المثلث يستفيد من هذا الانحياز ( معارضون و موالون). ليس لأهل المثلث دور في هذا الانحياز. فهم لم يختاروا السلطة المنحازة هذه ، لم يفوضوها، و بالتالي هي لا تمثلهم ، لان التمثيل تفويض.
لكن تبقى الحقيقة ان السلطة جاءت من هناك، من المثلث و منحاز له.
هناك من يقول ان الناس هناك( داخل المثلث) فقراء، بيوتهم جالوص،يأكلهم البعوض و تفتك بهم الملاريا.
و نقول: هذا ليس معيار التهميش. التهميش لا يقاس هكذا.
اولاً : لم يقل احد ان أهل المثلث أغنياء و يعيشون في رفاهية. لكن التهميش هو التفاوت في الخدمات العامة. الخدمات - على ضعفها - في مناطق المثلث افضل منها في غيرها . لماذا؟
لماااااااااااذا؟
هذا هو التهميش. هذا هو الذي يفرق بين المهمشين و غير المهمشين.
المهمشون لم تصل بهم الجراءة ان يحلموا بان تحارب الحكومة لهم البعوض او تبني لهم البيوت او تحسن مداخليلهم الفردية، رغم ان هذا كله هو جزء من واجبات الحكومة. اذا قلت لمزارع او راعي في الغرب او الشرق مثل هذا الطموح سوف يضحك في وجهك و يتهمك بالبلاهة و يصفك بالكسلان الحالم. لانه يعتقد ان هذا ليس من واجب الحكومة.
اذا قلت لأحد في هذه النواحي ان على الحكومة ان تساعده في فلاحة ارضه او علاج بهائمه سوف يصفك بنفس تلك الأوصاف، بينما في أماكن اخرى الناس تخرج في مظاهرات ا حتجاجية على عدم تزويد الحكومة لهم بالوقود اللازمة لتشغيل محركات محاريثهم ، و ربما هتفوا مرددين مع حميد و مصطفى سيد احمد: (لا تيراب وصل .. لا بابور يدور)
يا لها من مفارقة باينة في العشم في الحكومة.
المهمشون في الهامش طموحهم مدارس من الطوب مسقوفة بالزنك ، ليست لكل قرية، بل لتجمعات سكانية بآلاف البشر ، و مقاعد من اي نوع و ليس التراب ، يطمحون اذا مرضوا ان يجدوا مراكز علاج في مسافات معقولة و ليس عبر السفر اليها في ساعات عديدة و احياناً ايام . و اذا ذهبوا الى عواصم ولاياتهم يجدون مستشفياتها و كل مرافقها المهمة تنعم بالكهرباء مثل مدني ، شندي ، الدامر ، دنقلا و غيرها ، لا ان يتفاجأوا بمدينة مثل نيالا ( ثاني اكبر مدينة في السودان) بها مستشفى من غير كهرباء ، اما المنازل فتاتيها الكهرباء يومين في الأسبوع و لمدة ثلاث ساعات بعد منتصف الليل.
يطمحون ان يجدوا وسيلة مواصلات عبر طريق مرصوفة تنقلهم من مركز البلاد الى مدينة واحدة في دارفور، مدينة واحدة حتى. لم يبلغ طموحهم بعد الى مستوى طريقين مسفلتتين تحفان النيل شرقاً و غرباً تزفانه نحو الشمال. هل رأيتم الفرق؟. هل اتضحت الصورة؟ . هل بعد كل هذا لا يزال هناك من يقول ان السودان كله مهمش على قدم المساواة في التهميش؟
المهمشون يريدون من الشرفاء في مثلث حمدي ان يقولوا للسلطة المنحازة انك يا ايتها السلطة قد ظلمت أهلنا في مناطق اخرى خارج المثلث ( الهامش) ظلماً فاق ظلمنا.
نريدهم ان يقولوا لاحزابهم اما ان تقولوا هذا الكلام بوضوح ، و الا سنهجركم الى احزاب و مواعين جديدة ( ثورية او مدنية) تعكس روح السودان الجديد الشفافة ألحقانية العادلة .
هذا التهديد اما انه سيجعل احزاب السودان المتهادنة او المتوادعة مع النظا حتى أصبحت كالحملان الوديعة ، تجعلها تخرج من بيت الموادعة هذ فينعزل النظام اكثر و أكثر، او تختار الاستمرار في غيبوبتها و انانيتها و لامبالاتها فيهجرها الشرفاء الى مواعين السودان الجديد، و يوءدي ذلك الى نفس النتيجة: عزلة النظام. لكنها الان ليست في العزلة التي نرجوها.
اليوم هناك التفاف حولها من عدد غير قليل من أناس في مثل حمدي كانوا و ما زالوا غير محسوبين على النظام.
و السبب :
اسألوا الرشاوي الخدمية على أساس المثلث ( المركز ).
اسألوا الانحياز الثقافي على أساس المثلث
اسألوا التعبئة العنصرية على أساس المثلث.
و اسألوا قبل كل ذلك احتكار السلطة الحقيقية ( مركز القرار) بواسطة المثلث.
و بمناسبة الجملة الاخيرة هذه، اطلب منكم ان تتاملوا فقط في الأسماء التي وردت في خبرين:
اسماء أعضاء اللجنة الأمنية السياسية العليا و الذي يمثل (مجلس الحكم الحقيقي ) او (المجلس الحاكم) في تلك الوثيقة التي تم تسريبها الى الأكاديمي الامريكي ريفيز فنشرها. تاملوا الأسماء جيداً لتعرفوا ان كانت السلطة تنحصر في المثلث ام لا. علماً بان النظام نفى صحة الوثيقة لكنه لم ينف صحة او حقيقة تكوين ذلك المجلس بذلك الشكل.
و هناك مجلس اخر:
تاملوا الأسماء الخمسة التي قدمتها الهيئة القيادية للحزب الحاكم الى مجلس شوراها ليختار منهم رئيس البلاد. كون الخمسة كلهم من مثلث حمدي ، أليس ذلك دليلاً حاسماً بان النظام الحاكم نظام عنصري بحيث لا يمكن ان يسمح لحزبه الديكوري بان يختار رئيس للبلاد من خارج هذه الرقعة؟
------------------------------------------
حالة معملية توضح كيف يعمل هذا المدخل لتعريف المركز و الهامش على معالجة بعض حالات التحيز الاداري:
اسم الحالة: وضعية الكنابي في الجزيرة المروية:
وضع كنابي الجزيرة هو وضع استثنائي للغاية.
فعلى الرغم من ان سكان الكنابي يقيمون في نطاق المركز ( المثلث) الا انهم يتم حرمانهم من التمتع بخدماته العامة.
هذه حالة عنصرية واضحة.
فما يميز الهامش الجغرافي ان الخدمات العامة اصلاً لا توجد في المحيط ، فحتى لو سعي الشخص لمد يده اليها ليستفيد منها فلن يستطيع، لانها غير موجودة. و لذلك فالتهميش هناك تهميش موضعي و ليس على أساس الفرد.
فكل من يعيش في مناطق الهامش سوف يكون مهمشاً حتى و لو كان من أقرباء عمر البشير نفسه.
فالعرب في دارفور يواجهون التهميش التنموي و السياسي المبني على الموضع الجغرافي مثلهم مثل كل السكان هناك . لكنهم لا يعانون من التحيز الثقافي الا في إطار محدود، و لغة أهل المركز هي لغة قوميتهم .
لكن حالة الكنابي هو اضطهاد مباشر للاشخاص. لم يسعفهم وجودهم في المركز من الاضطهاد، مثلما لم يعصم السياسيين الرافضين للنظام انتماؤهم للمركز من الاضطهاد،
و لم يعصم المسيحيين في المركز انتماؤهم له من اثار تطبيق الشريعة.
و لذلك انا افضل ان نسمي سكان الكنابي و كل هؤلاء بالمضطهدين و ليس بالمهمشين. و سوف نوضح فائدة هذا التوصيف بالنسبة لأهل الكنابي انفسهم في السطور التالية حينما نتطرق الى العلاج بالتنمية.
العلاج بالتنمية لا يعالج كل مشاكل السودان بالطبع. و لذلك جاء التصنيف المتعدد للطيف المظلوم .
مثل الحالة مع الأمراض
هناك شخص يعاني من ملاريا فقط
و هناك اخر يعاني من ملاريا و سكري
و ثالث يعاني من سكري فقط
عندما نأتي للمعالجة ، كل شخص ينال الجرعات التي يحتاجها فقط لزوم علاج المرض او الأمراض التي يعاني منها. لا ان يأخذ كل العلاجات.
فمثلاً المرءة في كل السودان تعاني من التحيز الجندري ، لكن نساء المركز لا يواجهن تهميش تنموي جغرافي.
و لذلك فالمرءة المضطهدة تحتاج إصلاحات قانونية و لا داعي لان ندغمس قضيتها بإقحامها في ملف التهميش التنموي
و هناك مسيحيون في جبال النوبة و الأنقسنا و النقادة ، كل هؤلاء قد يرفعون تظلمات عبر مجلس الكنائس السوداني عن وجود ظلم و تمييز في الحقوق على أساس الدين.
هنا ايضاً تنشأ الحاجة الى إصلاحات قانونية.
التهميش مثلاً لا يحتاج الى إصلاحات في القوانين ، بقدر ما يحتاج الى قرارات سياسية و ميزانيات تنموية و ديمقراطية.
بينما وضعية الكنابي تحتاج الى تدخل القانون ليخاطب مسائل علاقات الانتاج و ملكية الاراضي و حيازتها ليفرض واقعاً جديداً ، و ترتيبات ادارية تعالج حق التمتع بالخدمات الموجودة و لكنها ممنوعة .
كل هذه الأصناف يتم علاجها عبر روشتات مختلفة.
بعضها تعالجها مجرد ترتيبات و إصلاحات ادارية فقط. و بعضها تحتاج رصد ميزانيات تنموية للمعالجة. و بعضها يستلزم تعديل القوانين.
و هكذا يظهر ان التصنيف المتعدد يساهم في علاج كل مرض بما يناسبه ، و ليس المقصود لان يتم علاج اشكالية التهميش التنموي و ترك تداعيات الانحرافات الإدارية الاخرى.
و لو لاحظت اننا لم يحدث ان أشرنا الى كلمة المهمشين الا و أوردنا رصيفاتها الاخرى معها، من مظلومين و مضطهدين. فالهدف من التقسيم هو بغرض العلاج التخصصي و ليس بغرض تركيز الاهتمام و حصر العلاج في مرض واحد و هو التهميش التنموي.
احمد ابكر
نواصل