الخطيئة بين الروح والجسد: 1-5
الروائي: محمد عبدالله عبدالله أبكر - تشاد
-1-
“على أطراف المدينة قضت ليلتها الصاخبة، كانت الليلة مقمرة ووجه السماء ساطعاً، ونسمات المساء الصيفية تداعبهما وتدغدغ أحلامهما الجميلة، كان الجو رومنسياً للغاية عندما صعدا إلى أحد أسطح المدينة التي لم يبقى منها إلى هذا السطح، كان منظرالمدينة النائمة يتراء لهما من بعيد بأضوائها الفاتنة المتلألئة كنجوم السماء في كل الاتجاهات ومن كل جانب وعلى هبات النسيم العليل كان همس اللقاء مثيراً، ورعشة الحب وسكراته تنفث فيهما حرارة بالغة من الأشواق، كان كل منهما يحدث الآخر بلغة تتفجر من أعماق المشاعر والمحبة كبركان هادر إلى أن نال منهما السهر فغفا في أحضان الليل ولن يستيقضا إلا على أصوات ذئاب عابرة قبل الفجر كانت متجهاً نحو ضواحي المدينة باحثاً عما يسد رمق جوعه، لقد كان لصوت الذئاب رهبة أحدث في نفسيهما هلعاً وخوفاً تحول إلى سكينة وتأملاً في نجوم السماء وأضواء المدينة إلى أن تعالت أصوات الآذان من صوامع المساجد من وسط المدينة وفي كل أرجائها مما زاد المكان رهبة، وفي هذا الأثناء نظر كل منهما إلى الآخر نظرة ألم وحصرة مليئة بالبكاء على خطيئتهما إلى أن تنفس الصبح وأشرقت الشمس بجلالها ووقارها”.
-2-
“امرأة شارفت سن اليأس هذا الذي سيسرق منها شغفها برفيق عمرها، وبه تكاد روحها الذابلة تجفّ رغم زيارات الأبناء والأحفاد المتواصلة لها، معتقداً بأن الدورة الشهرية غادرتها من دون رجعة منذ أربعة أشهر، لتخبرها الطبيبة بحمل جديد، ومتأسفة أن جنينها مصاب بمتلازمة داون، ترفض الأم إجهاضه، ليس لأن في ذلك خطراً على حياتها كما أبلغتها الطبيبة، بل لأن الجنين نفخ الروح في الرحم المتقاعد، وفي رعايته عودة الشغف بذاتها وبالحياة”.
-3-
“امرأة متزوجة في طريقها لتحقيق حلمها التي حرمت منه طويلاً، تعشق الموسيقا والعزف على العود، لكن ذلك يعد عاراً للعائلة وفضيحة في محيطها، وقد باغتها أبوها في إحدى الحفلات المدرسية، تحلق روحها مع عزفها على العود، فسرعان ما اتجه صوبها، أمسك بالعود وانهال عليها ضرباً إلى أن تكسرت أضلاعه عليها، وتقوست أوتاره حول معصميها، حرمها من إكمال تعليمها لتزويجها درعاً للحفاظ علي شرف عائلته بالوحل، لتربط بقيد آخر بديل لقيد الأب، لكن عشق العود وشغفها بالموسيقا مكثا ينغلان في روحها، إلى أن تقرر شراء خلسة عن زوجها وعن عيون المحيط كلها، تتجه إلى السوق بملابسها المعتادة؛ ثوب فضفاض أسود ونقاب أسود، تسير كمثل ذاهبة إلى خطيئة، فالسوق المقصود لا تدخله امرأة أبداً، وحين رجعت بالعود في محفظته السوداء إلى البيت، مخفياً بثنايا ثوبها الأسود فبدت مثل امرأة حامل، لم تصدق أنها وصلت معه بسلام، لم تسطع يومها أن تضمه أو تشمه، كان لزاماً عليها أن تخفي هذا الطفل، الخطيئة في مكان ما قبل وصول سجانها، ومعه تعود الموسيقا وتنطلق روحها السجينة شغوفة فرحة، في أثناء غياب الزوج عن البيت، لكن السر لم يدوم طويلاً حتى ينكشف، تراه واقفاً بالباب أمامها، يرى زوجته تحضن عوداً وتعزف لحناً في منزله”.
-4-
“إمرأة ساخنة مدعية وخائنة، تخون ما ادعته من مبادئ وطنية، تنتمي سياسياً للمعارضة، كما تخون حبيبها الذي قد يفعل أي شئ لأجلها، عرف هموم الوطن وانشغل بها، حتي أنه وشم خارطته على ذراعه، لكن الخارطة الموشومة لم تشفع له أمام سجون الوطن وجلاديه، ليعرف بعد خروجه من المعتقل بخيانة حبيبته له وزواجها من أحد رجالات السلطة التي كانت تعارضها، فيرحل عن البلاد بنتيجة أن تعاطي الأوطان سيوصله إلى الجحيم، وأن الوطن مكان للعيش لا أكثر”.
-5-
كاتب حر لا يُخضع قلمه لمشيئة السلطة السياسية في البلاد، يزوره زوار الفجر، يعرفهم تماماً، هم أنفسهم وغيرهم، يقضون الليالي الملاح في شقة عاهرة تقطن في الشقة التي تعلو شقته مباشرة، يطرقون بابه بشدة، يصرخ أحدهم قائلاً: لا تخف، كل ما هنالك أننا ندعوك لشرب الشاي هو يعرف أيضاً معنى هذه الدعوة، أخبرها سابقاً بأن هناك لا يوجد شاي ابداً، بل إن الشاي لطالما شربه المعزومون في بيوت أهالي المعتقلين”.
mohammed60702736@gmail.com