خواطر (منتهية الصلاحية) من (ضابط بريد وبرق) خارج الخدمة
***
لم أكن من المستبشرين بعودة شبكات التواصل الإجتماعي ولا من بواكيها المتحسرين على إنقطاعها .
وكم كنت اتمنى أن ينقطع الإنترنت من جذوره وعلى الخليقة كلها دون إستثناء ويكفي الله خلقه شر الإسراف في التواصل الجاف المزيف عبر الواتس والفيس برسائل النسخ واللصق ( عديمة الطعم ) الخالية من الشعور والإحساس والتي يتناولها الجميع عبر الأجهزة النقالة الضارة التي أعمت العيون وجلبت الأمراض الخبيثة وغير الخبيثة وتسببت في حرائق المنازل وجمدت العقول وشلت التفكير وتسببت في الادمان والعزلة وإهدار الوقت وأشعلت نار الفتن ما ظهر منها وما بطن .
وكم كنت اتمنى أن تعود المؤسسة العريقة .. البريد والبرق . وتُعمّر مكاتبها العتيقة الخاوية وتعود إليها حمائمها الزاجلة الراحلة .
وتعود (البوستة) بخطاباتها المسجلة وغير المسجلة ذات الأظرف المزدانة بالأزرق والأحمر والخط الجميل وصناديق البريد العامرة الممتلئة ، والطرود وسندات الإدخار وبنك التوفير والحوالات التلغرافية ذات السيولة النقدية الفورية والتلغرافات والمبارق والتلكس واللاسلكي .
وبعودتها يعود الإحساس بالترقب والأمل والشوق والفرح والمتعة .
وتعود الحقبة الزاهرة .. ويعود الزمن الجميل ..
ويعود العبد لله لمكتبه - كما كان - يخرج من منزله باكراً من قريته الصغيرة ( سورتود) ، ينتظره والدٌ يحمل ( جواباً ) بطلبات لإبنه المسافر وزوجةٌ شابة تحمل أشواقها في ظرف لزوجها المغترب وآخرون يتأبطون خبراً فاجعاً – تلغرافاً – لأقارب المتوفي ، والكل يشيد ويقر بأن الخطابات التي تُرسل عبر ( العبد لله ) تصل ويأتي الرد بسرعة لم يعهدوها من قبل ، والبرقيات تصل في سويعات .. وينتاب العبد لله شعور بالزهو عظيم شعورٌ أبيض ( زاجل ) .. شعورٌ بنشوة وفرح من إطراء وتقدير .. شعورٌ أفتقده تماماً في غربته الطويلة الضحلة القاسية .
والختام - كلمات مقتبسة من ( جواباتنا ) : ( وإذا تكرمتم بالسؤال عنا فنحن الحمد لله على ما يرام ولا تنقصنا سوى مشاهدتكم الغالية والتي نتمناها دوماً من الله ، الجميع بخير ولا يكون لكم شاغل .. بلغ سلامنا لجميع من معكم بدون فرز وتقبل سلام الجميع ..
والســــــــــــلام ..
ملحوظة : ما تنسى ترسل لي حبوبتك الدهان المسّاج بتاع ( الرُكبة ) المرسوم عليه الراجل العريان لأنو طلع كويس معاها )..
من مخلصكم
عبدالمجيد نورالدين إبنعوف
-الدفعة 16 المعهد العالي للبريد والبرق-
